الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٥٥
* إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير * إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد * ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم * ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي
____________________
إذا أخصبت وتزخرفت بالنبات كأنها بمنزلة المختال في زيه، وهى قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة. وقرئ وربأت: أي ارتفعت لأن النبت إذا هم أن يظهر ارتفعت له الأرض. يقال ألحد الحافر ولحد:
إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير للانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة. وقرئ يلحدون ويلحدون على اللغتين، وقوله (لا يخفون علينا) وعيد لهم على التحريف. فإن قلت: بم اتصل قوله (إن الذين كفروا بالذكر)؟ قلت: هو بدل من قوله - إن الذين يلحدون في آياتنا - والذكر القرآن لأنهم لكفرهم به طعنوا فيه وحرفوا تأويله (وإنه لكتاب عزيز) أي منيع محمى بحماية الله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) مثل كأن الباطل لا يتطرق إليه ولا يجد إليه سبيلا من جهة من الجهات حتى يصل إليه ويتعلق به. فإن قلت: أما طعن فيه الطاعنون وتأوله المبطلون؟ قلت: بلى، ولكن الله قد تقدم في حمايته عن تعلق الباطل به بأن قيض قوما عارضوهم بإبطال تأويلهم وإفساد أقاويلهم فلم يخلوا طعن طاعن إلا ممحوقا ولا قول مبطل إلا مضمحلا ونحوه قوله تعالى - إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون - (ما يقال لك) أي ما يقول لك كفار قومك (إلا) مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة (إن ربك لذو مغفرة) ورحمة لأنبيائه (وذو عقاب) لأعدائهم، ويجوز أن يكون ما يقول لك الله إلا مثل ما قال للرسل من قبلك، والمقول هو قوله تعالى - إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم - فمن حقه أن يرجوه أهل طاعته ويخافه أهل معصيته، والغرض تخويف العصاة. كانوا لتعنتهم يقولون هلا نزل القرآن بلغة العجم؟ فقيل لو كان كما يقترحون لم يتركوا الاعتراض والتعنت وقالوا (لولا فصلت آياته) أي بينت ولخصت بلسان نفقهه (أأعجمي وعربي) الهمزة همزة الإنكار، يعنى لأنكروا وقالوا أقرآن أعجمي ورسول عربي، أو مرسل إليه عربي. وقرئ أعجمي، والأعجمي الذي لا يفصح ولا يفهم كلامه من أي جنس كان، والعجمي منسوب إلى أمة العجم. وفى قراءة الحسن أعجمي بغير همزة الاستفهام على الإخبار بأن القرآن أعجمي والمرسل أو المرسل إليه عربي، والمعنى أن آيات الله على أي طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتا، لأن القوم غير طالبين للحق وإنما يتبعون أهواءهم. ويجوز في قراءة الحسن هلا فصلت آياته تفصيلا، فجعل بعضها بيانا للعجم وبعضها بيانا للعرب. فإن قلت: كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم وهم أمة العرب؟ قلت: هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتابا عجميا كتب إلى قوم من العرب يقول كتاب أعجمي ومكتوب إليه عربي، وذلك لأن مبنى الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه لا على أن المكتوب إليه واحد أو جماعة فوجب أن يجرد لما سيق إليه من الغرض ولا يوصل به ما يخل غرضا آخر،
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»