الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٣
* إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب
____________________
درور لا يحلبها ومهرة نثور لا يستولدها. وعن الحسن: قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لاعلم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيعوا حدوده حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا، وقد والله أسقطه كله ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، والله ما هؤلاء بالحكماء ولا الوزعة، لأكثر الله في الناس مثل هؤلاء. اللهم اجعلنا من العلماء التدبرين وأعذنا من القراء المتكبرين. وقرئ نعم العبد على الأصل والمخصوص بالمدح محذوف. وعلل كونه ممدوحا بكونه أوابا رجاعا إليه بالتوبة أو مسبحا مؤوبا للتسبيح مرجعا له لأن كل مؤوب أواب. والصافن الذي في قوله:
ألف الصفون فما يزال كأنه * مما يقوم على الثلاث كسيرا وقيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل هو المتخيم، وأما الصافن فالذي يجمع بين يديه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من سره أن يقوم الناس له صفونا فليتبوأ مقعده من النار " أي واقفين كما خدم الجبابرة. فإن قلت: ما معنى وصفها بالصفون؟ قلت: الصفون لا يكاد يكون في الهجن وإنما هو في العراب الخلص. وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية: يعنى إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها، وإذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها. وروى أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس. وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة. وقيل خرجت من البحر لها أجنحة، فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه واستعرضها، فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد من الذكر كان له وقت العشى وتهيبوه فلم يعلموه، فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها مقر بالله وبقى مائة، فما بقى في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها. وقيل لما عقرها أبدله الله خيرا منها وهى الريح تجرى بأمره. فإن قلت: ما معنى (أحببت حب الخير عن ذكر ربى)؟ قلت: أحببت مضمن معنى فعل يتعدى بعن كأنه قيل:
أنبت حب الخير عن ذكر ربى، أو جعلت حب الخير مجزيا أو مغنيا عن ذكر ربى. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان أن أحببت بمعنى لزمت من قوله * مثل بعير السوء إذ أحبا * وليس بذاك، والخير: المال كقوله - إن ترك خيرا - وقوله - وإنه لحب الخير لشديد - والمال: الخيل التي شغلته، أو سمى الخيل خيرا كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " وقال في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم " ما وصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل " وسماه زيد الخير.
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»