الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٦
* والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاءنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب * واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب * ووهبنا له أهله
____________________
طلبتنا ورجعا. ويقال أصاب الله بك خيرا (والشياطين) عطف على أريح (كل بناء) بدل من الشياطين (وآخرين) عطف على كل داخل في حكم البدل وهو بدل الكل من الكل كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية ويغوصون له فيستخرجون اللؤلؤ، وهو أول من استخرج الدر من البحر. وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد. وعن السدى: كان يجمع أيديهم إلى أعناقهم مغللين في الجوامع.
والصفد: القيد، وسمى به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه، ومنه قول علي رضي الله عنه: من برك فقد أسرك، ومن جفاك فقد أطلقك، ومنه قول القائل: غل يدا مطلقها وأرق رقبة معتقها. وقال حبيب: أن العطاء إسار، وتبعه من قال * ومن أوجد الإحسان قيدا تقيدا * وفرقوا بين الفعلين فقالوا: صفده قيده وأصفده أعطاه كوعده وأوعده: أي (هذا) الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة (عطاؤنا) بغير حساب: يعنى جما كثيرا لا يكاد يقدر على حبسه وحصره (فامنن) من المنة وهى العطاء: أي فأعط منه ما شئت (أو أمسك) مفوضا إليك التصرف فيه، وفي قراءة ابن مسعود هذا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب، أو هذا التسخير عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين بالإطلاق وأمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب: أي لاحساب عليك في ذلك (أيوب) عطف بيان، و (إذ) بدل اشتمال منه (أنى مسني) بأني مسني، حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب. وقرئ بنصب بضم النون وفتحها مع سكون الصاد وبفتحهما وضمهما، فالنصب والنصب كالرشد والرشد والنصب على أصل المصدر والنصب تثقيل نصب، والمعنى واحد وهو التعب والمشقة. والعذاب: الألم، يريد مرضه وما كان يقاسى فيه من أنواع الوصب. وقيل الضر في البدن والعذاب في ذهاب الأهل والمال. فإن قلت: لم نسبه إلى الشيطان ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه ليقضى من إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟ قلت:
لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبب فيما مسه الله به من النصب والعذاب نسبه إليه، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل. وروى أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل: ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلى الأنبياء والصالحين، وذكر في سبب بلائه أن رجلا استغاثه على ظالم فلم يغثه، وقيل كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهمه ولم يغزه، وقيل أعجب بكثرة ماله (ركض برجلك) حكاية ما أجيب به أيوب، أي اضرب برجلك الأرض. وعن قتادة هي أرض الجابية فضربها فنبعت عين فقيل (هذا مغتسل بارد وشراب) أي هذا ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وتنقلب ما بك قلبة.
وقيل نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله. وقيل
(٣٧٦)
مفاتيح البحث: الغسل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»