الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٥
وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب
____________________
السماكين ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين، فمكث على ذلك أربعين صباحا عدد ما عبد الوثن في بيته، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان، وسأل آصف نساء سليمان فقلن: ما يدع امرأة منا في دمها ولا يغتسل من جنابة. وقيل بل نفذ حكمه في كل شئ إلا فيهن، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة ووقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به، ووقع ساجدا ورجع إليه ملكه، وجاب صخرة لصخر فجعله فيها وسد عليه بأخرى ثم أوثقهما بالحديد والرصاص وقذفه في البحر. وقيل لما افتتن كان يسقط الخاتم من يده لا يتماسك فيها، فقال له آصف: إنك لمفتون بذنبك والخاتم لا يقر في يدك، فتب إلى الله عز وجل، ولقد أبى العلماء المتقنون قبوله وقالوا: هذا من أباطيل اليهود، والشياطين لا يتمكنون من مثل هذه الأفاعيل، وتسليط الله إياهم على عباده حتى يقعوا في تغيير الأحكام وعلى نساء الأنبياء حتى يفجروا بهن قبيح، وأما اتخاذ التماثيل فيجوز أن تختلف فيه الشرائع، ألا ترى إلى قوله - من محاريب وتماثيل - وأما السجود للصورة فلا يظن بنبي الله أن يأذن فيه وإذا كان بغير علمه فلا عليه، وقوله (وألقينا على كرسيه جسدا) ناب عن إفادة معنى إنابة الشيطان منابه تبوأ ظاهرا. قدم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء والصالحين في تقديمهم أمر دينهم على أمور دنياهم (لا ينبغي) لا يتسهل ولا يكون. ومعنى (من بعدي) دوني. فإن قلت: أما يشبه الحسد والحرص على الاستبدال بالنعمة أن يستعطى الله ما لا يعطيه غيره؟ فإن قلت: كان سليمان عليه السلام ناشئا في بيت الملك والنبوة ووارثا لهما، فأراد أن يطلب من ربه معجزة، فطلب على حسب إلفه ملكا زائدا على الممالك زيادة خارقة للعادة بالغة حد الإعجاز، ليكون ذلك دليلا على نبوته قاهرا للمبعوث إليهم، وأن يكون معجزة حتى يخرق العادات، فذلك معنى قوله - لا ينبغي لأحد من بعدي - وقيل كان ملكا عظيما فخاف أن يعطى مثله أحد فلا يحافظ على حدود الله فيه كما قالت الملائكة - أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك - وقيل ملكا لا أسلبه ولا يقوم غيري فيه مقامي كما سلبته مرة وأقيم مقامي غيري. ويجوز أن يقال علم الله فيما اختصه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين، وعليم أنه لا يضطلع بأعبائه غيره، وأوجبت الحكمة استيهابه فأمره أن يستوهبه إياه فاستوهبه بأمر من الله على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه عليها إلا هو وحده دون سائر عباده. أو أراد أن يقول ملكا عظيما فقال لا ينبغي لأحد من بعدي ولم يقصد بذلك إلا عظم الملك وسعته كما تقول: لفلان ماء ليس لأحد من الفضل والمال، وربما كان للناس أمثال ذلك ولكنك تريد تعظيم ما عنده. وعن الحجاج أنه قيل له: إنك حسود، فقال: أحسد منى من قال: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، وهذا من جرأته على الله وشيطنته، كما حكى عنه طاعتنا أوجب من طاعة الله لأنه شرط في طاعته فقال - فاتقوا الله ما استطعتم - وأطلق طاعتنا فقال - وأولي الأمر منكم -. قرئ الريح والرياح (رخاء) لينة طيبة لا تزعزع، وقيل طيعة له لا تمتنع عليه (حيث أصاب) حيث قصد وأراده. حكى الأصمعي عن العرب: أصاب الصواب فأخطأ الجواب. وعن رؤبة أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن هذه الكلمة فخرج إليهما فقال: أين تصيبان؟ فقال: هذه
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»