الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٧٤
* ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان
____________________
وسأل رجل بلالا رضي الله عنه عن قوم يستبقون من السابق فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرجل: أردت الخيل، فقال: وأنا أردت الخير. والتواري بالحجاب مجاز في غروب الشمس عن توارى الملك أو المخبأة بحجابها، والذي دل على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشى ولابد للمضمر من جرى ذكر أو دليل ذكر. وقيل الضمير للصافنات: أي حتى توارت بحجاب الليل: يعنى الظلام. ومن بدع التفاسير أن الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه (فطفق مسحا) فجعل يمسح مسحا: أي يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها: يعنى يقطعها، يقال مسح علاوته إذا ضرب عنقه، ومسح المسفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه. وعن الحسن: كسف عراقيبها وضرب أعناقها، أراد بالكسف القطع ومنه الكسف في ألقاب الزحاف في العروض، ومن قاله بالشين المعجمة فمصحف. وقيل مسحها بيده استحسانا لها وإعجابا بها. فإن قلت: بم اتصل قوله ردوها على؟ قلت: بمحذوف تقديره: قال ردوها على فأضمر وأضمر ما هو جواب له كأن قائلا قال:
فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهرا وهو اشتغال نبي من أنبياء الله بأمر الدنيا حتى تفوته الصلاة عن وقتها. وقرئ بالسؤوق بهمز الواو لضمتها كما في أدؤر ونظيره الغؤر في مصدر غارت الشمس، وأما من قرأ بالسؤق فقد جعل الضمة في السين كأنها في الواو للتلاصق كما قيل مؤسى، ونظير ساق وسوق أسد وأسد.
وقرئ بالساق اكتفاء بالواحد عن الجمع لأمن الإلباس. قيل فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة، وملك بعد الفتنة عشرين سنة. وكان من فتنته أنه ولد له ابن فقالت الشياطين: إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخبله، فلعم ذلك فكان يغدوه في السحابة فما راعه إلا أن ألقى على كرسيه ميتا، فتنبه على خطئه في أن لم يتوكل فيه على ربه فاستغفر ربه وتاب إليه. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم " قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتى بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " فذلك قوله تعالى (ولقد فتنا سليمان) وهذا ونحوه مما لا بأس به، وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان فالله أعلم بصحته. حكوا أن سليمان بلغه خبر صيدون وهى مدينة في بعض الجزائر وأن بها ملكا عظيم الشأن لا يقوى عليه لتحصنه بالبحر، فخرج إليه تحمله الرياح حتى أناخ بها بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها وأصاب بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها، فاصطفاها لنفسه وأسلمت وأحبها، وكانت لا يرقأ دمعها حزنا على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدون له كعادتهن في ملكه، فأخبر آصف سليمان بذلك فكسر الصورة وعاقب المرأة، ثم خرج وحده إلى فلاة وفرش له الرماد، فجلس عليه تائبا إلى الله متضرعا، وكانت له أم ولد يقال لها أمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها، وكان ملكه في خاتمه فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر ببناء بيت المقدس واسمه صخر على صورة سليمان، فقال: يا أمينة خاتمي، فتختم به وجلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وغير سليمان عن هيئته فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته وطردته، فعرف أن الخطيئة قد أدركته، فكان يدور على البيوت يتكفف، فإذا قال أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه، ثم عمد إلى
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»