الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٦٩
أكفلنيها وعزني في الخطاب.
____________________
والمراد أخوة الدين، أو أخوة الصداقة والألفة، أو أخوة الشركة والخلطة لقوله تعالى - وإن كثيرا من الخطاء - وكل واحدة من هذا الأخوات تدلى بحق مانع من الاعتداء والظلم. وقرئ تسع وتسعون بفتح التاء ونعجة بكسر النون وهذا من اختلاف اللغات نحو نطع ونطع ولقوة ولقوة (أكفلنيها) ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي (وعزني) وغلبني، يقال عزه يعزه، قال:
فطاة عزها شرك فباتت * تجاذبه وقد علق الجناح يريد جاءني بحجاج لم أقدر أن أورد عليه ما أرده به. وأراد بالخطاب مخاطبة المحاج المجادل، أو أراد خطبت المرأة خطبها هو فخاطبني خطابا: أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني. وقرئ وعازني من المعازة وهى المغالبة. وقرأ أبو حياة وعزني بتخفيف الزاي طلبا للخفة وهو تخفيف غريب وكأنه قاسه على نحو ظلت ومست. فإن قلت: ما معنى ذكر النعاج؟ قلت: كان تحاكمهم في نفسه تمثيلا وكلامهم تمثيلا، لأن التمثيل أبلغ في التوبيخ لما ذكرنا، وللتنبيه على أنه أمر يستحيا من كشفه فيكنى عنه كما يكنى عما يستسمج الإفصاح به وللستر على داود عليه السلام والاحتفاظ بحرمته. ووجه التمثيل فيه أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطه وأراده على الخروج من ملكها إليه، وحاجه في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده، والدليل عليه قوله - وإن كثيرا من الخلطاء - وإنما خص هذه القصة لما فيها من الرمز إلى الغرض بذكر النعجة. فإن قلت: إنما تستقيم طريقة التمثيل إذا فسرت الخطاب بالجدال، فإن فسرته بالمفاعلة من الخطبة لم يستقم؟ قلت: الوجه مع هذا التفسير أن أجعل النعجة استعارة عن المرأة كما استعاروا لها الشاة في نحو قوله:
يا شاة ما قنص لمن حلت له * فرميت غفلة عينه عن شاته وشبهها بالنعجة من قال * كنعاج الملا تعسفن رملا * لولا أن الخلطاء تأباه إلا أن يضرب داود الخلطاء ابتداء مثلا لهم ولقصتهم. فإن قلت: الملائكة عليهم السلام كيف صح منهم أن يخبروا عن أنفسهم بما لم يتلبسوا منه بقليل ولا كثير ولا هو من شأنهم؟ قلت: هو تصوير للمسألة وفرض لها فصورها في أنفسهم وكانوا في صورة الأناسي كما تقول في تصوير المسائل زيد له أربعون شاة وعمرو له أربعون وأنت تشير إليهما فخلطاها وحال عليها الحول كم يجب فيها، وما لزيد وعمرو سبد ولا لبد، وتقول أيضا في تصويرها لي أربعون شاء ولك أربعون وخلطناها وما لكما من الأربعين أربعة ولا ربعها. فإن قلت: ما وجه قراؤة ابن مسعود ولى نعجة أنثى؟ قلت يقال امرأة أنثى للحسناء الجميلة، والمعنى وصفها بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها وذلك أملح لها وأزيد في تكسرها وتثنييها، ألا ترى إلى وصفهم لها بالكسول والمكسال وقوله:
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»