الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٨٧
* وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا
____________________
لأنهم قليل بالإضافة إلى الكفار كما قال - لاحتنكن ذريته إلا قليلا - ولا تجد أكثرهم شاكرين - (وما كان له عليهم) من تسليط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء إلا لغرض صحيح وحكمة بينة، وذلك أن يتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها، وعلل التسليط بالعلم والمراد ما تعلق به العلم. وقرئ ليعلم على البناء للمفعول (حفيظ) محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان (قل) لمشركي قومك (ادعوا الذين) عبدتموهم (من دون الله) من الأصنام والملائكة وسميتموهم باسمه كما تدعون الله والتجئوا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم ورحمتهم كما تنتظرون أن يستجيب لكم ويرحمكم، ثم أجاب عنهم بقوله (لا يملكون مثقال ذرة) من خير أو شر أو نفع أو ضر (في السماوات ولا في الأرض وما لهم) في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك كقوله تعالى - ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض - (وماله منهم) من عوين يعينه على تدبير خلقه، يريد أنهم على هذه الصفة من العجز والبعد عن أحوال الربوبية فكيف يصح أن يدعوا كما يدعي ويرجوا كما يرجى. فإن قلت: أين مفعولا زعم؟ قلت: أحدهما الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول، وأما الثاني فلا يخلوا إما أن يكون من دون الله أو لا يملكون أو محذوفا، فلا يصح الأول لان قولك هم من دون الله لا يلتئم كلاما، ولا الثاني لانهم ما كانوا يزعمون ذلك فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد فبقى أن يكون محذوفا تقديره:
زعمتموهم آلهة من دون الله، فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله - أهذا الذي بعث الله رسولا - استخفافا لطول الموصول بصلته، وحذف آلهة لأنه موصوف صفته من دون الله، والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوما، فإذن مفعولا زعم محذوفان جميعا بسببين مختلفين. تقول الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع كما تقول الكرم لزيد، وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول القيام لزيد فاحتمل قوله (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن له) أن يكون أحد هذين الوجهين: أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له، أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له: أي لشفيعه، أو هي اللام الثانية في قولك أذن لزيد لعمرو:
أي لأجله وكأنه قيل: إلا لمن وقع الاذن للشفيع لأجله، وهذا وجه لطيف وهو الوجه، وهذا تكذيب لقولهم - هؤلاء شفعاؤنا عند الله -. فإن قلت: بم اتصل قوله (حتى إذا فزع عن قلوبهم) ولأي شئ وقعت حتى غاية؟
قلت: بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظارا للاذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن، وأنه لا يطلق الاذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل - رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون الا من أذن له الرحمن وقال صوابا - كأنه قيل: يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين حتى إذا فزع
(٢٨٧)
مفاتيح البحث: الفزع (1)، الأذان (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»