الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٨٩
قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم.
____________________
يوحدون الرازق من السماوات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة لعلى أحد الامرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به:
قد أنصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين، ولكن التعريض والتورية أنضل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق منى ومنك وأن أحدنا لكاذب، ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء فإن قلت: كيف خولف بين حرفي الجر الداخلين على الحق والضلال؟ قلت: لان صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك فيه لا يدرى أن يتوجه.
وفي قراءة أبي: وإنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين. هذا أدخل في الإنصاف وأبلغ فيه من الأول حيث أسند الاجرام إلى المخاطبين والعمل إلى المخاطبين، وإن أراد بالاجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام وفتح الله بينهم. وهو حكمه وفصله أنه يدخل هؤلاء الجنة وأولئك النار. فإن قلت: ما معنى قوله (أروني) وكان يراهم ويعرفهم؟ قلت: أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يقايس على أعينهم بينه وبين أصنامهم ليطلعهم على إحالة القياس إليه والاشراك به، و (كلا) ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسده بإبطال المقايسة كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام - أف لكم ولما تعبدون من دون الله - بعد ما حجهم، وقد نبه على تفاحش غلطهم وإن لم يقدروا الله حق قدره بقوله (هو الله العزيز الحكيم) كأنه قال:
(٢٨٩)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»