الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩١
للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون * وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون
____________________
مختارين (بعد إذ جائكم) بعد أن صممتم على الدخول في الايمان وصحت نياتكم في اختياره، بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلال على الهدى وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهي فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا. فإن قلت: إذ وإذا من الظروف اللازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافا إليها؟ قلت: قد أتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره، فأضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذ ويومئذ، وكان ذلك أو أن الحجاج أمير وحين خرج زيد. لما أنكر المستكبرون بقولهم أنحن صددناكم أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم (بل كنتم مجرمين) أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضعفون بقولهم (بل مكر الليل والنهار) فابطلوا إضرابهم بإضرابهم كأنهم قالوا: ما كان الاجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد. ومعنى مكر الليل والنهار: مكركم في الليل والنهار، فاتسع في الظرف بإجزائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه، أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الاسناد المجازى. وقرئ بل مكر الليل والنهار بالتنوين ونصب الظرفين، وبل مكر الليل والنهار بالرفع والنصب: أي تكرون الاغواء مكرا دائبا لا تفترون عنه. فإن قلت: ما وجه الرفع والنصب؟ قلت: هو مبتدأ أو خبر على معنى:
بل سبب ذلك مكركم أو مكركم أو مكركم أو مكركم سبب ذلك، والنصب على بل تكرون الاغواء مكر الليل والنهار. فإن قلت: لم قيل قال الذين استكبروا بغير عاطف، وقيل وقال الذين استضعفوا؟ قلت: لان الذين استضعفوا مر أول كلامهم فجئ بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف، ثم جئ بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول. فإن قلت: من صاحب الضمير في (وأسروا)؟ قلت: الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين وهم الظالمون في قوله - إذ الظالمون موقوفون عند ربهم - يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين (في أعناق الذين كفروا) أي في أعناقهم، فجاء بالصريح للتنويه بذمهم وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال. وعن قتادة: أسروا الكلام بذلك بينهم. وقيل أسروا الندامة أظهروها وهو من الأضداد. هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد والمفاخرة وزخارفها والتكبر بذلك على المؤمنين والاستهانة بهم من أجله وقولهم: - أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا - وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكادوه بنحو ما كادوه به، وقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا واعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم، ولولا أن المؤمنين
(٢٩١)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»