الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٥
بين يدي عذاب شديد * قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد * قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه
____________________
طريقة النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون المعنى: ثم تتفكروا فتعلموا - ما بصاحبكم من جنة - وقد جوز بعضهم أن تكون ما استفهامية (بين يدي عذاب شديد) كقوله عليه الصلاة والسلام " بعثت في نسم الساعة " (فهو لكم) جزاء الشرط الذي هو قوله - ما سألتكم من أجر - تقديره - اي شئ سألتكم من أجر فهو لكم كقوله تعالى - ما يفتح الله للناس من رحمة - وفيه معنيان: أحدهما نفي مسألة الاجر رأسا كما يقول الرجل لصاحبه إن أعطيتني شيئا فخذه وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ولكنه يريد به البت لتعليقه الاخذ بما لم يكن، والثاني أن يريد بالاجر ما أراد في قوله تعالى - قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا - وفي قوله - قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى - لان اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم وما فيه نفعهم، وكذلك المودة في القرابة لان القرابة قد انتظمته وإياهم (على كل شئ شهيد) حفيظ مهيمن يعلم أني لا أطلب الاجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه ولا أطمع منكم في شئ. القذف والرمي تزجية السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعاران من حقيقتهما لمعنى الالقاء، ومنه قوله تعالى - وقذف في قلوهم الرعب - أن اقذفيه في التابوت - ومعنى (يقذف بالحق) يلقيه وينزله إلى أنبيائه، أو يرمى به الباطل فيدمغه ويزهقه (علام الغيوب) رفع محمول على محل إن واسمها، أو على المستكن في يقذف، أو هو خبر مبتدأ محذوف. وقرئ بالنصب صفة لربي أو على المدح. وقرئ الغيوب بالحركات الثلاث فالغيوب كالبيوت، والغيوب كالصبور وهو الامر الذي غاب وخفى جدا. والحي إما أن يبدئ فعلا أو يعيده، فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة، فجعلوا قولهم لا يبدئ ولا يعيد مثلا في هلاك، ومنه قول عبيد:
أقفر من أهله عبيد * فاليوم لا يبدي ولا يعيد والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى - جاء الحق وزهق الباطل - وعن ابن مسعود رضي الله عنه " دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بعود نبعة ويقول - جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد - " والحق القرآن، وقيل الاسلام، وقيل السيف، وقيل الباطل إبليس لعنه الله: أي ما ينشئ خلقا ولا يعيده، المنشئ والباعث هو الله تعالى. وعن الحسن: لا يبدئ لأهله خيرا ولا يعيده: أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة. وقال الزجاج: أي شئ ينشئ إبليس ويعيده فجعله للاستفهام. وقيل للشيطان الباطل لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك. قرئ ضللت أضل بفتح العين مع كسرها، وضللت أضل بكسرها مع فتحها وهما لغتان نحو ظللت أضل وظلتت أظل وقرئ إضل بكسر الهمزة مع فتح العين. فإن قلت: أين التقابل بين قوله - فإنما أضل على
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»