الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٩
من بعده وهو العزيز الحكيم * يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض
____________________
ترك لدلالته عليه، وأن يكون مطلقا في كل ما يمسكه من غضبه ورحمته، وإنما فسر الأول دون الثاني للدلالة على أن رحمته سبقت غضبه. فإن قلت: فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما؟
قلت: إن أراد بالتوبة الهداية لها والتوفيق فيها وهو الذي أراده ابن عباس رضي الله عنهما إن قاله فمقبول، وإن أراد أنه شاء أن يتوب العاصي تاب، وإن لم يشأ لم يتب فمردود لان الله تعالى يشاء التوبة أبدا، ولا يجوز عليه أن لا يشاءها (من بعده) من بعد إمساكه كقوله تعالى - فمن يهديه من بعد الله - فبأي حديث بعد الله - أي من بعد هدايته وبعد آياته (وهو العزيز) الغالب القادر على الارسال والامساك (الحكيم) الذي يرسل ويمسك ما تقتضى الحكمة وإرساله وإمساكه. ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط ولكن به وبالقلب وحفظها من الكفران والغمط وشكرها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: أذكر أيادي عندك، يريد حفظها وشكرها والعمل على موجبها، والخطاب عام للجميع لان جميعهم مغمورون في نعمة الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما يريد أهل مكة - اذكروا نعمة الله عليكم - حيث أسكنكم حرمه ومنعكم من جميع العالم والناس يتخطفون من حولكم. وعنه: نعمة الله العافية. وقرئ غير الله وبالحركات الثلاث، فالجر والرفع على الوصف لفظا ومحلا والنصب على الاستثناء. فإن قلت: ما محل (يرزقكم)؟ قلت: يحتمل أن يكون له محل إذا أوقعته صفة الخالق، وأن لا يكون له محل إذا رفعت محل من خالق بإضمار يرزقكم وأوقعت يرزقكم تفسيرا له أو جعلته كلاما مبتدأ بعد قوله - هل من خالق غير الله -. فإن قلت: هل فيه دليل على أن الخالق لا يطلق على غير الله تعالى؟ قلت: نعم إن جعلت يرزكم كلاما مبتدأ وهو الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة، وأما على الوجهين الآخرين وهما الوصف والتفسير فقد تقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض وخرج من الاطلاق، فكيف
(٢٩٩)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»