الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٩٨
وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير * ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له
____________________
أجنحة) أصحاب أجنحة وأولو اسم جمع لذو كما أن أولاء اسم جمع لذا ونظيرهما في المتمكنة المخاض والخلقة (مثنى وثلاث ورباع) صفات لأجنحة، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الاعداد عن صيغ إلى صيغ أخر كما عدل عمر عن عامر وحذام عن حاذمة وعن تكرير إلى غير تكرير، وأما الوصفية فلا يفترق الحال فيما بين المعدولة والمعدول عنها، ألا تراك تقول مررت بنسوة أربع وبرجال ثلاثة فلا يعرج عليها، والمعنى: أن الملائكة خلقا أجنحتهم اثنان اثنان: أي لكل واحد منهم جناحان، وخلقا أجنحتهم ثلاثة ثلاثة، وخلقا أجنحتهم أربعة أربعة (يزيد في الخلق ما يشاء) أي يزيد في خلق الأجنحة وفي غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته، والأصل الجناحان لأنهما بمنزلة اليدين، ثم الثالث والرابع زيادة على الأصل، وذلك أقوى للطيران وأعون عليه.
فإن قلت: قياس الشفع من الأجنحة أن يكون في كل شق نصفه فما صورة الثلاثة؟ قلت: لعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة، أو لعله لغير الطيران. فقد مر بي في بعض الكتب أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة، فجناحان يلقون بهما أجسادهم، وجناحان يطيرون بهما في الامر من أمور الله، وجناحان مرخيان على وجهوههم حياء من الله. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح " وروى " أنه سأل جبريل عليه السلام أن يتراءى له في صورته فقال: إنك لن تطيق ذلك، قال:
إني أحب أن تفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة فأتاه جبريل في صورته، فغشى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أفاق وجبريل عليه السلام مسنده وإحدى يديه على صدره والاخرى بين كتفيه فقال:
سبحان الله ما كنت أن أرى شيئا من الخلق هكذا، فقال جبريل: فكيف لو رأيت إسرافيل له أنا عشر جناحا جناح منها بالمشرق وجناح بالمغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع وهو العصفور الصغير " وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى - يزيد في الخلق ما يشاء - هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن، وقيل الخط الحسن. وعن قتادة: الملاحة في العينين. والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وجراءة في القلب وسماحة في النفس وذلاقة في اللسان ولباقة في التكلم وحسن تأت في مزاولة الأمور وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف. أستعير الفتح للإطلاق والارسال، ألا ترى إلى قوله - فلا مرسل له من بعده - مكان لا فاتح له: يعني أي شئ يطلق الله من رحمة: أي من نعمة رزق أو مطر أو صحة أو أمن أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها. وتنكيره الرحمة للإشاعة والابهام كأنه قال: من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها، وأي شئ يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه. فإن قلت:
لم أنث الضمير أولا ثم ذكر آخرا وهو راجع في الحالين إلى الاسم المتضمن معنى الشرط؟ قلت: هما لغتان الحمل على المعنى وعلى اللفظ والمتكلم على الخيرة فيهما، فأنث على معنى الرحمة وذكر على أن لفظ المرجوع إليه لا تأنيث فيه، ولان الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير. وقرئ فلا مرسل لها. فإن قلت: لابد للثاني من تفسير فما تفسيره؟ قلت: يحتمل أن يكون تفسيره مثل تفسير الأول ولكنه
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»