الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٧٦
والعنهم لعنا كبيرا * يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما * إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
____________________
لضلاله وضعفا لاضلاله يعترفون ويستغيثون ويتمنون ولا ينفعهم شئ من ذلك (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) قيل نزلت في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس. وقيل في آذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها. وقيل اتهامهم إياه بقتل هارون وكان قد خرج معه إلى الجبل فمات هناك فحملته الملائكة ومروا به عليهم ميتا فأبصروه حتى عرفوا أنه غير مقتول. وقيل أحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام.. وقيل قرفره بعيب في جسده من برص أو أدرة فأطلعهم الله على أنه برئ منه (وجيها) ذا جاه ومنزلة عنده فلذلك كان يميط عنه التهم ويدفع الأذى ويحافظ عليه لئلا يلحقه وصم ولا يوصف بنقيصة كما يفعل الملك بمن له عنده قربة ووجاهة. وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حياة وكان عبد الله وجيها. قال ابن خالويه:
صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرؤها، وقراءة العامة أوجه لأنها مفصحة عن وجاهته عند الله صليت خلف كقوله تعالى - عند ذي العرش مكين - وهذه ليست كذلك. فإن قلت: قوله مما قالوا معناه من قولهم أو من مقولهم لان ما إما مصدرية أو موصولة وأيهما كان فكيف تصح البراءة منه؟ قلت: المراد بالقول أو المقول مؤداه ومضمونه وهو الامر المعيب، ألا ترى أنهم سموا السبة بالقالة، بمعنى القول (قولا سديدا) قاصدا إلى الحق، والسداد: القصد إلى الحق والقول بالعدل، يقال سدد السهم نحو الرمية: إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا سهم قاصد، والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول والبعث على أن يسد قولهم في كل باب، لان حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله، والمعنى: راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والإثابة عليها ومن مغفرة سيئاتكم وتكفيرها. وقيل إصلاح الأعمال: التوفيق في المجئ بها صالحة مرضية، وهذه الآية مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه على الامر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والامر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام وإتباع الامر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. لما قال (ومن يطع الله ورسوله) وعلق بالطاعة الفوز العظيم أتبعه قوله (إنا عرضنا الأمانة) وهو يريد بالأمانة الطاعة فعظم أمرها وفخم شأنها، وفيه وجهان: أحدهما أن هذه الاجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله عز وعلا انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجادا وتكوينا وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة كما قال - قالتا أتينا طائعين - وأما الانسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعات ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق
(٢٧٦)
مفاتيح البحث: الأمانة، الإئتمان (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»