الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٧١
ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن
____________________
الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لادراكه، ومعناه: لا تدخلوا يا هؤلاء المتحينون للطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، وإلا فلو لم يكن لهؤلاء خصوصا لما جاز لاحد ان يدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يؤذن له إذنا خاصا وهو الاذن إلى الطعام فحسب. وعن ابن أبي عبلة أنه قرأ غير ناظرين مجرورا صفة لطعام، وليس بالوجه لأنه جرى على غير ما هو له، فمن حق ضمير ما هو أن يبرز إلى اللفظ فيقال: غير ناظرين إناه أنتم كقولك هند زيد ضاربته هي. وإني الطعام: إدراكه، يقال أنى الطعام إني كقولك قلاه قلى ومنه قوله - بين حميم آن - بالغ إناه. وقيل إناه وقته: أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله. وروى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة، وأمر أنسا أن يدعو بالناس، فترادفوا أفواجا يأكل فوج فيخرج ثم يدخل فوج، إلى أن قال: يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه، فقال: ارفعوا طعامكم، وتفرق الناس وبقى ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا، فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت، فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله كيف وجدت أهلك، وطاف بالحجرات فسلم عليهن ودعون له ورجع، فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون، وكان رسول اله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فتولى، فلما رأوه متوليا خرجوا فرجع، ونزلت (ولا مستأنسين لحديث نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به، أو عن أن يستأنسوا حديث أهل البيت، واستئناسه تسمعه وتوجهه، وهو مجرور معطوف على ناظرين، وقيل هو منصوب على ولا تدخلوها مستأنسين. لابد في قوله (فيستحيي منكم) من تقدير المضاف: أي من إخراجكم بدليل قوله - والله لا يستحيي من الحق -: يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه. ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال قيل (لا يستحيي من الحق) بمعنى لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم وهذا أدب أدب الله به الثقلاء. وعن عائشة رضي الله عنها: حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم وقال: فإذا طعمتم فانتشروا. وقرئ لا يستحي بياء واحدة. الضمير في (سألتموهن) لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكرن لان الحال ناطقة بذكرهن (متاعا) حاجة (فاسئلوهن) المتاع. قيل أن عمر رضي الله عنه كان يحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة، وكان يذكره كثيرا ويود أن ينزل فيه وكان يقول:
لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، وقال: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت. وروى أنه مر عليهن وهن مع النساء في المسجد فقال: لئن احتجبتن فإن لكن على النساء فضلا كما أن لزوجكن على الرجال الفضل، فقالت زينب رضي الله عنها: يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا، فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى نزلت. وقيل إن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت آية الحجاب. وذكر أن بعضهم قال: أنهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب، لئن مات محمد لاتزوجن عائشة، فأعلم الله أن
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»