الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٠
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
____________________
ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم - يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين (إن اتقيتن) إن أردتن التقوى وإن كنتن متقيات (فلا تخضعن بالقول) فلا تجبن بقولكن خاضعا: أي لينا خنثا مثل كلام المريبات والمومسات (فيطمع الذي في قلبه مرض) أي ريبة وفجور. وقرئ بالجزم عطفا على محل فعل النهي على أنهن نهين عن الخضوع بالقول ونهى المريض القلب عن الطمع كأنه قيل: لا تخضعن فلا يطمع. وعن ابن محيصن أنه قرأ بكسر الميم وسبيله ضم الياء مع كسرها وإسناد الفعل إلى ضمير القول: أي فيطمع القول المريب (قولا معروفا) بعيدا من طمع المريب بجد وخشونة من غير تخنيث أو قولا حسنا مع كونه خشنا. (وقرن) بكسر القاف من وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من اءى اقررن ونقلت كسرتها إلى القاف كما تقول ظلن وقرن بفتحها وأصله اقررن فحذفت الراء وألقيت فتحتها على ما قبلها كقولك ظلن - وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان وجها آخر قال قار يقار: إذا اجتمع، ومنه القارة لاجتماعها، ألا ترى إلى قول عضل والديش:
اجتمعوا فكونوا قارة. و (الجاهلية الأولى) هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء وهي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال. وقيل ما بين آدم ونوح، وقيل بين إدريس ونوح، وقيل زمن داود وسليمان. والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الاسلام. والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الاسلام، فكأن المعنى: ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الاسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر.
ويعضده ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي الدرداء رضي الله عنه " إن فيك جاهلية، قال:
جاهلية كفر أم إسلام؟ فقال: بل جاهلية كفر " أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة ثم جاء به عاما في جميع الطاعات لان هاتين الطاعتين البدنية والمالية هما أصل سائر الطاعات من اعتنى بهما حق اعتنائه جرتاه إلى ما وراءهما، ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآثم وليتصونوا عنها بالتقوى. واستعار للذنوب الرجس وللتقوى الطهر لان عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالارجاس، وأما المحسنات فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولى الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به و (أهل البيت) نصب على النداء أو على المدح، وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته. ثم ذكرهن أن بيوتهن مهابط الوحي وأمرهن أن لا ينسين ما يتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين: هو آيات بينات تدل على صدق النبوة لأنه معجزة
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»