الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٣
زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا
____________________
والعادات، وماله لم يعاتبه في نفس الامر ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها ولم يعصم نبيه صلى الله عليه وسلم عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة؟ قلت: كم من شئ يتحفظ منه الانسان ويستحيي من اطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله، وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين ويجل ثوابها، ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلا من أوتى فضلا وعلما ودينا ونظرا في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها، ألا ترى أنهم كانوا إذا طعموا في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يريمون مستأنسين بالحديث، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذيه قعودهم ويضيق صدره حديثهم والحياء يصده أن يأمرهم بالانتشار حتى نزلت - إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق - ولو أبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا لشق عليهم ولكان بعض المقالة فهذا من ذاك القبيل، لان طموح قلب الانسان إلى بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع لأنه ليس بفعل الانسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضا وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه وهو أقرب منه من زر قميصه أن يواسيه بمفارقتها مع قوة العلم بأن نفس زيد لم تكن من التعلق بها في شئ بها بل كانت تجفو عنها، ونفس رسول الله صلى الله عليه وسلم متعلقة بها، ولم يكن مستنكرا عندهم أن ينزل الرجل عن امرأته لصديقه ولا مستهجنا إذا نزل عنها أن ينكحها الاخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة آستهم الأنصار بكل شئ، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن أحدهما وأنكحها المهاجر، وإذا كان الامر مباحا من جميع جهاته ولم يكن فيه وجه من وجوه القبح ولا مفسدة ولا مضرة بزيد ولا بأحد بل كان مستجرا مصالح، ناهيك بواحدة منها أن بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت أما من أمهات المسلمين إلى ما ذكر الله عز وجل من المصلحة العامة في قوله - لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا - فبالأحرى أن يعاتب الله رسوله حين كتمه وبالغ في كتمه بقوله - أمسك عليك زوجك واتق الله - وأن لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر والثبات في مواطن الحق حتى يقتدى به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق وإن كان مرا. فإن قلت: الواو في وتخفى في نفسك وتخشى الناس والله أحق ما هي. قلت: واو الحال: أي تقول لزيد أمسك عليك زوجك مخفيا في نفسك إرادة أن لا يمسكها وتخفى خاشيا قالة الناس وتخشى الناس حقيقا في ذلك بأن تخشى الله، أو واو العطف كأنه قيل: وإذا تجمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه وخشية الناس والله أحق أن تخشاه حتى لا تفعل مثل ذلك. إذا بلغ البالغ حاجته من شئ له فيه همة قيل قضى منه وطره، والمعنى: فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطابت عنها نفسه وطلقها وانقضت عدتها (زوجناكها) وقراءة أهل البيت زوجتكها. وقيل لجعفر بن محمد رضي الله عنهما:
أليس تقرأ على غير ذلك فقال: لا والذي لا إله إلا هو ما قرأتها على أبي إلا كذلك، ولا قرأها الحسن بن علي على أبيه إلا كذلك، ولا قرأها علي بن أبي طالب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كذلك (وكان أمر الله مفعولا) جملة
(٢٦٣)
مفاتيح البحث: الزوج، الزواج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»