الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٦٤
ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما
____________________
اعتراضية: يعني وكان أمر الله الذي يريد أن يكونه مفعولا مكونا لا محالة، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ومن نفى الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهن. ويجوز أن يراد بأمر الله المكون لأنه مفعول بكن وهو أمر الله (فرض الله له) قسم له وأوجب من قولهم فرض لفلان في الديوان كذا ومنه فروض العسكر لرزقاتهم (سنة الله) اسم موضوع موضع المصدر كقولهم تربا وجندلا مؤكد لقوله تعالى - ما كان على النبي من حرج - كأنه قيل: سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين، وهو أن لا يحرج عليهم في الاقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد كانت تحتهم المهائر والسراري، وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان عليه السلام ثلاثمائة وسبعمائة (في الذين خلوا) في الأنبياء الذين مضوا (الذين يبلغون) يحتمل وجوه الاعراب الجر على الوصف للأنبياء والرفع والنصب على المدح على هم الذين يبلغون، أو على أعني الذين يبلغون. وقرئ رسالة الله. قدرا مقدورا قضاء مقضيا وحكما مبتوتا، ووصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا الله تعريض بعد التصريح في قوله تعالى - وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه - (حسيبا) كافيا للمخاوف أو محاسبا على الصغيرة والكبيرة فيجب أن يكون حق الخشية من مثله (ما كان محمد أبا أحد من (رجالكم) أي لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت به الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح (ولكن) كان (رسول الله) وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر الأحكام الثابتة بين الاباء والأبناء وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه حكمكم، والادعاء والتبني من باب الاختصاص والتقريب لا غير (و) كان (خاتم النبيين) يعني أنه لو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال لكان نبيا ولم يكن هو خاتم الأنبياء، كما يروى أنه قال في إبراهيم حين توفى: لو عاش لكان نبيا، فإن قلت: أما كان أبا للطاهر والطيب القاسم وإبراهيم؟ قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم من وجهين: أحدهما أن هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال. والثاني أنه قد أضاف الرجال إليهم وهؤلاء رجاله لا رجالهم. فإن قلت: أما كان أبا للحسن والحسين؟ قلت: بلى ولكنهما لم يكونا رجلين حينئذ وهما أيضا من رجاله لا من رجالهم، وشئ آخر وهو أنه إنما قصد ولده خاصة لا ولده لقوله تعالى - وخاتم النبيين - ألا ترى أن الحسن والحسين قد عاشا إلى أن نيف أحدهما على الأربعين والاخر على الخمسين. وقرئ ولكن رسول الله بالنصب عطفا على أبا أحد، وبالرفع على ولكن هو رسول الله، ولكن بالتشديد على حذف الخبر تقديره: ولكن رسول الله من عرفتموه: أي لم يعش له ولد ذكر. وخاتم بفتح التاء بمعنى الطابع، وبكسرها بمعنى الطابع وفاعل الختم، وتقوية قراءة ابن مسعود:
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»