الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٥٦
وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بأدون في الاعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا * ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما * من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
____________________
فانصرفوا عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن المفرط (وإن يأت الأحزاب) كرة ثانية، تمنوا لخوفهم مما منوا به هذه الكرة أنهم خارجون إلى البدو حاصلون بين الاعراب (يسألون) كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم وعما جرى عليكم (ولو كانوا فيكم) ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال لم يقاتلوا إلا تعلة رياء وسمعة. وقرئ بدى على فعل جمع باد كغاز وغزى، وفي رواية صاحب الإقليد بدى بوزن عدى، ويسألون: أي يتساءلون، ومعناه يقول بعضهم لبعض ماذا سمعت ماذا بلغك؟ أو يتساءلون الاعراب كما تقول رأيت الهلال وتراءينا. كان عليكم أن تواسوا رسول الله صلى عليه وسلم بأنفسكم فتوازروه وتثبتوا معه كما آساكم بنفسه في الصبر على الجهاد والثبات في مرحى الحرب حتى كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه. فإن قلت: فما حقيقة قوله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقرئ أسوة بالضم؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه في نفسه أسوة حسنة: أي قدوة وهو المؤتسي أي المقتدى به كما تقول في البيضة عشرون منا حديد: أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد، والثاني أن فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها وتتبع وهي المواساة بنفسه (لمن كان يرجو الله) بدل من لكم كقوله - للذين استضعفوا لمن آمن منهم - يرجو الله واليوم الآخر من قولك رجوت زيدا وفضله: أي فضل زيد، أو يرجو أيام الله واليوم الآخر، خصوصا والرجاء بمعنى الأمل أو الخوف (وذكر الله كثيرا) وقرن الرجاء بالطاعات الكثيرة والتوفر على الأعمال الصالحة والمؤتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم من كان كذلك. وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه في قوله - أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم - فلما جاء الأحزاب وشخص بهم واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) وأيقنوا بالجنة والنصر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا: أي في آخر تسع ليال أو عشر، فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك وهذا إشارة إلى الخطب أو البلاد (إيمانا) بالله وبمواعيده (وتسليما) لقضاياه وأقداره. نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا، وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومصعب بن عمير وغيرهم رضي الله عنهم (فمنهم من قضى نحبه) يعني حمزة ومصعبا (ومنهم من ينتظر) يعني عثمان وطلحة. وفي الحديث " من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة ". فإن قلت: ما قضاء النحب؟ قلت: وقع عبارة عن الموت لان كل حي لابد له من أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته، فإذا مات فقد قضى نحبه: أي نذره. وقوله - فمنهم من قضى نحبه -
(٢٥٦)
مفاتيح البحث: القتل (1)، الصدق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»