الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٥٤
وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا قل لن ينفعكم الفرار.
____________________
قال: * أقلي اللوم عاذل والعتابا * وكذلك الرسول والسبيلا. وقرئ بزيادتها في الوصل أيضا إجراء له مجرى الوصف. قال أبو عبيد * وهن كلهن في الامام بألف * وعن أبي عمرو إشمام زاي زلزلوا. وقرئ زلزالا بالفتح، والمعنى أن الخوف أزعجهم أشد الازعاج (إلا غرورا) قيل قائله معتب بن قشير حين رأى الأحزاب قال: يعدنا محمد فتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا، ما هذا إلا وعد غرور (طائفة منهم) هم أوس ابن قيظي ومن وافقه على رأيه. وعن السدي: عبد الله بن أبي وأصحابه. ويثرب اسم المدينة، وقيل أرض وقعت (فارجعوا) إلى المدينة، أمروهم بالهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل قالوا لهم ارجعوا كفارا وأسلموا محمدا وإلا فليست يثرب لكم بمكان. قرئ عورة بسكون الواو وكسرها، فالعورة الخلل، والعورة ذات العورة، يقال عور المكان عورا إذا بدا فيه خلل يخاف منه العدو والسارق. ويجوز أن تكون عورة تخفيف عورة، اعتذروا أن بيوتهم معرضة للعدو ممكنة للسراق لأنها غير محرزة ولا محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه، فأكذبهم الله بأنهم لا يخافون ذلك وإنما يريدون الفرار (ولو دخلت عليهم) المدينة، وقيل بيوتهم من قولك دخلت على فلان داره (من أقطارها) من جوانبها يريد ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التي يفرون خوفا منه مدينتهم (الفتنة) أي الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين (لأتوها) لجاؤوها وفعلوها، وقرئ لأتوها لأعطوها (وما تلبثوا بها) وما ألبثوا إعطاءها (إلا يسيرا) ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف، أو وما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا فإن الله يهلكهم، والمعنى: أنهم يتعللون بإعوار بيوتهم ويتمحلون ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعن مصادفة الأحزاب الذين ملؤهم هولا ورعبا، وهؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشئ، وما ذاك إلا لمقتهم الاسلام وشدة بغضهم لأهله وحبهم الكفر وتهالكهم على حزبه. عن ابن عباس: عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم. وقيل هم قوم غابوا عن بدر فقالوا:
لئن اشهدنا الله قتالا لنقاتلن. وعن محمد بن إسحاق: عاهدوا يوم أحد أن لا يفروا بعد ما نزل فيهم ما نزل (مسؤلا) مطلوبا مقتضى حتى يوفى به (لن ينفعكم الفرار) مما لابد لكم من نزوله بكم من حتف أنف أو قتل. وإن نفعكم الفرار مثلا فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتع إلا زمانا قليلا. وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع،
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»