الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٩
* ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم
____________________
وأمومة في امرأة ولا بنوة ودعوة في رجل، والمعنى: ان الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدى إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما ظانا موقنا شاكا في حالة واحدة لم ير أيضا أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجا له، لان الام مخدومة مخفوض لها جناح الذل والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوكة وهما حالتان متنافيتان، وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل وابنا له لان البنوة أصالة في النسب وعراقة فيه والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشئ الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل. وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيرا وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له وطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وكانوا يقولون زيد ابن محمد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وقوله - ما كان محمد أبا أحد من رجالكم - وقيل: كان أبو معمر رجلا من أحفظ العرب وأرواهم فقيل له ذو القلبين. وقيل هو جميل بن أسد الفهري وكان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، فروى أنه أنهزم يوم بدر فمر بأبي سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والاخرى في رجله فقال له: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب، فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والاخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلي، فأكذب الله قوله وقولهم وضربه مثلا في الظهار والتبني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان فأكذبهم الله، وقيل سها في صلاته، فقالت اليهود: له قلبان قلب مع أصحابه وقلب معكم. وعن الحسن نزلت في أن الواحد يقول نفس تأمرني ونفس تنهاني.
والتنكير في رجل وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى كأنه قال: ما جعل الله لامة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه. فإن قلت: أي فائدة في ذكر الجوف؟ قلت: الفائدة فيه كالفائدة في قوله القلوب التي في الصدور - وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلي للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الانكار. وقرئ اللائ بياء وهمزة مكسورتين واللائي بياء ساكنة
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»