التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٧٩
من بيتك. والحق الذي جادلوا فيه هو القتال في قول مجاهد. و " بيتك " يراد به المدينة، اخرجه الله إلى بدر - في قوله ابن جريج، وابن أبي نجيح وأكثر المفسرين - ووجه كراهية القتال - ما ذكره ابن عباس - من أن أبا سفيان لما اقبل بعير قريش من الشام فيها أموالهم، ندب النبي صلى الله عليه وآله المسلمين إلى الخروج إليها، قال لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب إليهم، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، ولم يظنوا أن رسول الله ملقي كيدا ولا حزنا، وهو قول السدي والمفسرين. واختلفوا في المؤمنين الذين كرهوا القتال، وجادلوا النبي صلى الله عليه وآله. فقال قوم: أراد به أهل الايمان يوم بدر - ذكر ذلك عن ابن عباس، وابن إسحاق - وقال قوم: عنى المشركين - ذهب إليه ابن زيد - وقال: هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعوهم إلى الاسلام، وهم ينظرون، قال وتكون هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر. وقول ابن عباس هو الظاهر، وعليه أكثر المفسرين، وهو ان هذا صفة للمؤمنين لكن كرهوا ذلك كراهية الطبع، لكونهم غير مستعدين للقتال، ولقلتهم وكثرة المشركين، ويقوي ذلك قوله بعد هذه الآية " وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم " فبين بذلك انهم كانوا يودون العير دون الحرب.
وقوله " بعد ما تبين " انك يا محمد لا تصنع إلا ما امرك الله به. وقال ابن عباس معناه يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به. والجدل شدة الفتل ومنه قولهم: جدلت الزمام إذا شددت فتله، والاجدل الصقر لشدته.
وقوله " كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " معناه كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو في كراهتهم للقتال إذا دعوا إليه وصعوبته عليه بمنزلة من يساق إلى الموت، وهم يرونه أو يتوقعونه.
والسوق الحث على السير عجلة. والاخراج في الآية معناه الدعاء إلى الخروج الذي يقع به، تقول: اخرجه فخرج اي دعاه فخرج، ومثله اضربت زيدا عمرا،
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست