التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٥٨
هذا فأسلوهم " (1) ولم يقل فعله كبيرها فاسألوها، وقال " والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " (2) لما أضاف السجود إليها جمعها بالواو والنون التي تختص بالعقلاء ومعنى " من دون الله " غير الله، كأنه قال كل مدعو إلها غير الله " عباد أمثالكم " و " من " لابتداء الغاية في أن الدعاء دون دعاء الله إلى حيث انتهى إنما هو لعباد الله.
ثم قال " عباد أمثالكم " فإنما سماها كذلك لان التعبد التذلل، فلما كانت الأصنام تنصرف على مشيئة الله، وهي غير ممتنعة عما يريد الله تعالى بها كانت بذلك في معنى العباد. ويقال عبدت الطرق إذا وطئته حتى تقرر وسهل سلوكه. ومنه قوله تعالى " وتلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني إسرائيل " (3) اي ذللتهم واستخدمتهم ضروبا من الخدم. وقال الجبائي وغيره: معنى " عباد " أي املاك لربهم كما أنتم عبيد له، فان كنتم صادقين في ادعائكم انها آلهة فادعوهم ليستجيبوا لدعائكم.
وهذه لام الامر على معنى التهجين كما قال " هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " (4) فإذا لم يستجيبوا لكم، لأنها لا تسمع دعاءكم فاعلموا انها لا تنفع ولا تضر ولا تستحق العبادة.
فأما من قال الأصنام تعبد الله على الحقيقة كما يعبد العقلاء، وان كنا لا نفقه ذلك فقد تجاهل، لان العبادة ضرب من الشكر، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. والعبادة وان كانت شكرا فإنه يقارنها خضوع وتذلل. وكل ذلك يستحيل من الجماد.
ويحتمل من حيث إنهم توهموا انها تضر وتنفع فقيل لهم ليس يخرج هؤلاء بذلك عن حكم الله تعالى. وقال الحسن: معناه إنها مخلوقة أمثالكم. والعبد المملوك من جنس ما يعقل، لان الثوب مملوك، ولا يسمى عبدا.
وقيل الدعاء الأول في الآية تسميتهم الأصنام آلهة كأنه قال: " إن الذين تدعون "

(1) سورة 21 الأنبياء آية 63 (2) سورة 12 يوسف آية 4 (3) سورة 26 الشعراء آية 22 (2) سورة 27 النمل آية 64
(٥٨)
مفاتيح البحث: الشكر (2)، السجود (1)، الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست