التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٦
وقوله " أحكمت آياته ثم فصلت " قيل في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها - قال الحسن: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالثواب والعقاب.
الثاني - قال قتادة أحكمت آياته من الباطل. ثم فصلت بالحرام والحلال.
الثالث - قال مجاهد " أحكمت آياته " على وجه الجملة " ثم فصلت " اي بينت بذكرها آية آية. والاحكام منع الفعل من الفساد، قال الشاعر:
أبني حنيفة احكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا (1) وقوله " من لدن حكيم خبير " معناه من عند حكيم عليم. وقوم يجعلون في (لدن) ضميرا فينصبون ما بعده فيقولون لدن غدوة. وقوم يجعلونه غاية ولا يضمرون فيه شيئا بعينه فيرفعون ما بعده لان ما بعد الغاية مرفوع، فيقولون لدن غدوة.
وروي عن عكرمة انه قرأ " فصلت " بفتح الفاء والصاد وتخفيفها - وهي شاذة لم يقرأ بها أحد.
والحكيم يحتمل معينين: أحدهما - عليم، فعلى هذا يجوز وصفه بأنه حكيم فيما لم يزل. والثاني - بمعنى أنه محكم لأفعاله. وعلى هذا لا يوصف به فيما لم يزل.
والحكمة المعرفة بما يمنع الفعل من الفساد والنقص وبها يميز القبيح من الحسن والفاسد من الصحيح وقال الجبائي في الآية دلالة على أن كلام الله محدث بأنه وصفه بأنه أحكمت آياته، والاحكام من صفات الافعال، ولا يجوز أن تكون احكامه غيره لأنه لو كان احكامه غيره لكان قبل ان يحكمه غير محكم ولو كان كذلك لكان باطلا، لان الكلام متى لم يكن محكما وجب أن يكون باطلا فاسدا، وهذا باطل.
قوله تعالى:
ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير (2) آية

(1) مر تخريجه في 2 / 188
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»
الفهرست