التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٥٧
مع هذا التقريع العظيم. وفيه دلالة على جهة إعجاز القرآن وأنها الفصاحة في هذا النظم المخصوص، لأنه لو كان غيره لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاق.
وقوله " فأتوا " وإن كان لفظه لفظ الامر فالمراد به التهديد والتحدي والمثل المذكور في الآية ما كان مثله في البلاغة والنظم أو ما يقاربه، لان البلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأدناها وأوسطها ممكن، فالتحدي وقع بما هو في أعلى طبقة في البلاغة، ولا يجوز أن يكون المراد بالمثل إلا المثل في الجنسية، لان مثله في العين يكون حكايته وذلك لا يقع به تحدي. وإنما يرجع إلى ما هو متعارف بينهم في تحدي بعضهم بعضا كمناقضات امرئ القيس وعلقمة، وعمر بن كلثوم والحارث بن حلزة، وجرير والفرزدق وغيرهم. ومعنى (أم) تقرير بصورة الاستفهام، وتقديره بل " يقولون افتراه ". وقال بعضهم: إن الاستفهام محذوف، كأنه قال أيكذبونك أم يقولون افتراه. وهذا ليس بصحيح لان (أم) ههنا منقطعة ليست معادلة، وإنما يجوز حذف الاستفهام في الضرورة. وقوله " ادعوا من استطعتم من دون الله " أي ادعوهم إلى معاونتكم على المعارضة. وهذا غاية ما يمكن من التحدي والمحاجة.
وقوله " بعشر سور مثله " اي مثل سورة منه كل سورة منها. ومعنى " مفتريات " أي مختلقات يقال: افترى واختلق واخترق، وخلق وخرق وخرص واخترص إذا كذب.
قوله تعالى:
فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (14) آية قيل في المعني بقوله " فإن لم يستجيبوا لكم " قولان:
أحدهما - ان المراد به المؤمنون، والتقدير فإن لم يقبلوا إجابتك يا محمد
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»
الفهرست