التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٧٧
أخبر الله تعالى أنه ليس يتبع أكثر هؤلاء الكفار إلا الظن الذي لا يجزي شيئا، من تقليد آبائهم رؤسائهم. ثم قال تعالى " إن الظن لا يغني من الحق شيئا " لان الحق إنما ينتفع به من عرفه وعلمه حقا، لان الظن حقيقة ما قوي كون المظنون عند الظان على ما ظنه مع تجويز أن يكون على غيره، فإذا كان معه تجويز كون المظنون على خلاف ما ظنه، فلا يكون مثل العلم. وقد يكون للظن حكم إذا قام على ذلك دليل إما عقلي أو شرعي، ويكون صادرا عن إمارات معروفة بالعادة والخبر أورده إلى نظيره عند من قال بالقياس، وكل ذلك إذا اقترن به دليل يوجب العمل به، وكل موضع يمكن أن يقوم عليه دليل ويعلم صحته من فساده فلا يجوز أن يعمل فيه على الظن، لان بمنزلة من ترك العلم وعمل على ظن غيره. وقوله " ان الظن لا يغني من الحق شيئا " معناه انه لا يقوم العلم مع وجوده أو امكان وجوده، وإنما يعبد الله في الشرع في مواضع بالرجوع إلى الظن مع أنه كان يمكنه أن ينصب عليه دليلا يوجب العلم لما في ذلك من المصلحة. وقوله " إن الله عليم بما يفعلون " فيه ضرب من التهديد، لأنه أخبر أنه تعالى يعلم ما يفعلونه ولا يخفى عليه منه شئ فيجازيهم على جميعه: على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب.
قوله تعالى:
وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (37) آية.
نفى الله تعالى في هذه الآية أن يكون هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله مفترى من دون الله والافتراء الاخبار على القطع بالكذب، وهو مأخوذ من فري الأديم، وهو قطعه بعد تقديره. والقرآن عبارة عن هذا الكلام
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست