التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٨
أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه متى أنزل سورة من القرآن " نظر بعضهم إلى بعض " نظرا يومئون به " هل يراكم من أحد " وإنما يفعلون ذلك، لأنهم منافقون يتحذرون أن يعلم بهم، فكأنهم يقول بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد ثم يقومون فينصرفون. ويحتمل أن يكون انصرافهم عن العمل بشئ مما يستمعون.
فقال الله تعالى " صرف الله قلوبهم " يعني عن رحمته عقوبة لهم " بأنهم قوم لا يفقهون " مواعظ الله ولا أمره ونهيه. وإنما صرف قلوبهم عن السرور بالفائدة التي تحصل للمؤمنين بسماع الوحي، فيحرمون ما للمؤمنين من الاستبشار بتلك الحال. والفقه فهم موجب المعنى المضمن به، وقد صار علما على علم الفتيا في الشعرية لان المعتمد على المعنى. وكان القوم عقلاء يفقهون الأشياء، وإنما نفى الله عنهم ذلك لأنهم لم ينظروا فيه، ولم يعملوا بموجبه، فكأنهم لم يفقهوه، كما قال " صم بكم عمي " (1) لما لم ينتفعوا بما سمعوه ورأوه.
قوله تعالى:
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (129) آية.
أقسم الله تعالى في هذه الآية بأنه قد " جاءكم رسول من أنفسكم " لان لام (لقد) هي اللام التي يتلقى بها القسم. والخطاب متوجه إلى جميع الخلق.
ومعنى " من أنفسكم " أي انكم ترجعون إلى نفس واحدة كما قال " قل إنما أنا بشر مثلكم " (2) ويحتمل أن يكون المراد به من العرب انكم كذلك.
ويكون - على هذا - الخطاب متوجها إلى العرب خاصة، فأنتم تخبرونه قبل مبعثه. وقيل: إنه لم يبق بطن من العرب إلا وولد النبي صلى الله عليه وآله وإنما ذكر ذلك لأنه أقرب إلى الألفة، وأبعد من المحك واللجاج، واسرع إلى فهم الحجة، فهو

(1) سورة 2 البقرة آية 18 (2) سورة 18 الكهف آية 111
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست