التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٢
النافرة وبه قال الضحاك وابن عباس، وقال أبو علي الجبائي: تنفر الطائفة من كل ناحية إلى النبي صلى الله عليه وآله لتسمع كلامه وتتفقه عنه، ثم يبينوا ذلك لقومهم إذا رجعوا إليهم. وقال مجاهد: نزلت الآية في قوم خرجوا إلى البادية ليفقهوهم ولينالوا منهم خيرا، فلما عاتب الله من تأخر عن النبي عند خروجه إلى تبوك وذم آخرين خافوا ان يكونوا فمنهم فنفروا بأجمعهم، فقال الله: هلا نفر بعضهم ليفقه عن النبي صلى الله عليه وآله ما يجب عليهم وما لا يجب ويرجعون فيخبرون أصحابهم بذلك ليحذروا.
والنفور عن الشئ هو الذهاب عنه لتكره النفس له، والنفور إليه الذهاب إليه لتكره النفس لغيره. والتفقه تعلم الفقه. والفقه فهم موجبات المعنى المضمنة بها من غير تصريح بالدلالة عليها، وصار بالعرف مختصا بمعرفة الحلال والحرام، وما طريقه الشرع. وقوله " لعلهم يحذرون " معناه لكي يحذروا، لأن الشك لا يجوز على الله. والحذر تجنب الشئ لما فيه من المضرة يقال: حذر حذرا وحذرته تحذيرا وحاذره محاذرة وتحذر تحذرا.
واستدل جماعة بهذه الآية على وجوب العمل بخبر الواحد بأن قالوا:
حث الله تعالى الطائفة على النفور والتفقه حتى إذا رجعوا إلى غيرهم لينذروهم ليحذروا، فلولا انه يجب عليهم القبول منهم لما وجب عليهم الانذار والتخويف.
والطائفة تقع على جماعة لا يقع بخبرهم العلم بل تقع على واحد. لان المفسرين قالوا في قوله " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " أنه يكفي أن يحضر واحد.
وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح، لان الذي يقتضيه ظاهر الآية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة، ووجوب التفقه والانذار إذا رجعوا، ويحتمل أن يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم، ولو سلمنا انه يتناول الواحد أو جماعة قليلة، فلم إذا وجب عليهم الانذار وجب على من يسمع القبول؟ والله تعالى إنما أوجب عليه المنذرين الحذر، والحذر ليس من القبول في شئ بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلى الأدلة، ألا ترى
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست