التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٣١٩
عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين (121) آية.
لما قص الله تعالى قصة الذين تأخروا عن النبي صلى الله عليه وآله والخروج معه إلى تبوك ثم اعتذارهم عن ذلك وتوبتهم منه وأنه قبل توبة من ندم على ما كان منه لرأفته بهم ورحمته عليهم، ذكر عقيب ذلك على وجه التوبيخ لهم والازراء على ما كانوا فعلوه فقال: لم يكن لأهل المدينة ولا من يسكن حول المدينة من الاعراب والبوادي " ان يتخلفوا " بمعنى ان يتأخروا عن رسول الله " ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " ومعناه ولا أن يطلبوا نفع نفوسهم، لان الرغبة المنفعة ونقيضها الرهبة. ويقال رغب فيه إذا طلب المنفعة به ورغب عنه طلب المنفعة بتركه، والترغيب ضد الترهيب ومعنى " يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " اي يطلبون المنفعة بترفيه أنفسهم دون نفسه وهذه فريضة ألزمهم الله إياها، لحقه فيما دعاهم من الهدى الذي اهتدوا به وخرجوا من ظلمة الكفر إلى نور الايمان.
وقوله " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب " إشارة إلى ما ألزمهم الله إياه من تحمل هذه المشقة لأنهم لا يصيبهم ظمأ وهو شدة العطش تقول: ظمئ يظمأ ظمأ وهو ظمئ وظمآن وأظمأه الله إظماء. ومنه قيل: أنا ظمآن إلى رؤية فلان ومعنى " ولا نصب " اي تعب تقول: نصب ينصب نصبا فهو نصب. ومثله الوصب قال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (1) وقوله " ولا مخمصة " يعني مجاعة وأصله ضمور البطن للمجاعة ومنه رجل خميص البطن وامرأة خمصانة. وقوله " في سبيل الله " يعني من قتال أعدائه المشركين. وقوله " ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار " اي لا يخطون خطوة إلا كتب لهم اجرها، والموطئ الأرض، والغيظ انتقاض الطبع بما يرى مما يشق. والغضب

(1) اللسان (نصب) والأغاني 11 / 15
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»
الفهرست