التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٠٣
الذي هو الدين الحق، ولا يسلمون لامر الله الذي بعث به نبيه محمد صلى الله عليه وآله في تحريم حرامه وتحليل حلاله. والدين في الأصل الطاعة قال زهير:
لئن حللت بجو في بني أسد * في دين عمرو وحالت بيننا فدك (1) وقوله " حتى يعطوا الجزية عن يد " فالجزية عطية عقوبة جزاء على الكفر بالله على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل الذمة - وهو على وزن جلسة، وقعدة - لنوع من الجزاء. وإنما قيل " عن يد " ليفارق حال الغصب على اقرار أحد. وقال أبو علي: معناه يعطونا من أيديهم يجيئون بها بنفوسهم لا ينوب عنهم فيها غيرهم إذا قدروا عليه. فيكون أذل لهم. وقال قوم: معناه عن نقد كما يقال: باع يدا بيد. وقال آخرون: معناه عن يد لكم عليهم ونعمة تسدونها إليهم بقبول الجزية منهم. وقال الحسين بن علي المغربي: معناه عن قهر، وهو قول الزجاج.
وقوله " وهم صاغرون " فالصغار الذل والنكال الذي يصغر قدر صاحبه، صغر يصغر صغارا، فهو صاغر. وقيل: الصغار اعطاء الجزية قائما، والاخذ جالس ذهب إليه عكرمة والجزية لا تؤخذ عندنا إلا من اليهود والنصارى والمجوس. وأما غيرهم فلا يقبل منهم غير الاسلام أو السبي. وإنما كان كذلك لما علم الله تعالى من المصلحة في اقرار هؤلاء على كفرهم ومنع ذلك في غيرهم، لان هؤلاء على كفرهم يقرون بألسنتهم بالتوحيد وبعض الأنبياء، وان لم يكونوا على الحقيقة عارفين. وأولئك يجحدون ذلك كله، فلذلك فرق بينهما.
فان قيل: اعطاء الجزية منهم لا يخلوا أن يكون طاعة أو معصية، فإن كان معصية فكيف أمر الله بها؟ وإن كان طاعة وجب أن يكونوا مطيعين لله.
قلنا: إعطاؤهم ليس بمعصية. وأما كونها طاعة لله فليس كذلك، لأنهم إنما يعطونها دفعا للقتل عن أنفسهم لا طاعة لله. فان الكافر لا يقع منه طاعة عندنا

(١) ديوانه ١٨٣ ومجاز القرآن 1 286 وتفسير الطبري 14 198
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست