التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٥٩
قوله تعالى:
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (82) وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (83) آيتان.
أخبر الله تعالى أنه أنجى لوطا ومن معه بمعنى أنه خلصه من الهلاك " وأهله " يعني المختصين به. والاهل هو المختص بالشئ اختصاص القرابة، ولذلك قيل: أهل البلد لأنهم بلزومهم سكناه قد صاروا على مثل لزوم القرابة. وقوله " إلا امرأته " استثنى من جملة من أنجاه مع لوط من أهله امرأته، لان امرأته أراد به زوجته ولا يقال: مرؤها بمعنى زوجها، لأنه صار بمنزلة المالك لها. وليست بمنزلة المالكة له. وإنما تجري هذه الإضافة التي بمعنى اللام على طريقة الملك. وقوله " كانت من الغابرين " يعني من الباقين في عذاب الله - في قول الحسن وقتادة.
فان قيل: فعلى هذا يجب أن تكون امرأته ممن نجى لأنه تعالى قال " كانت من الغابرين " أي الباقين.
قلنا: المعنى إنها من الباقين في عذاب الله، على ما حكيناه عن الحسن وقتادة. وقال قوم: معناه إنها من الباقين قبل الهلاك والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر طويل حتى هرمت فيمن هرم من الناس، وكانت ممن غبر الدهر عليه قبل هلاك القوم. ثم هلكت فيمن هلك من قوم لوط.
وقيل: أراد بذلك من الباقين في عذاب الله، ذكر ذلك قتادة.
وإنما قلنا: إنها كانت من الهالكين، لقوله في سورة هود " إنه مصيبها ما أصابهم " (1) ذكر ذلك البلخي والطبري، فالغابر الباقي. ويقال: غبر يغبر غبورا وغبرا إذا بقي قال الأعشى:

(1) سورة 11 هود آية 81.
(٤٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 ... » »»
الفهرست