التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤١٦
قوله تعالى:
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين (49) آية بلا خلاف.
في هذه الآية حكاية ان أصحاب النار يوم القيامة ينادون أصحاب الجنة وأصحاب النار هم المخلدون في عذابها، لا جميع من فيها، لان فيها الزبانية الموكلون بعذاب أهلها.
وإنما توعد الله بالعقاب بالنار دون اختراع لآلام أو غيره من الأسباب، لأنه أهول في النفس وأعظم في الزجر، لما يتصور من الحال فيه، وما تقدم من ادراك البصر له، وانهم يسألونهم ان يفيضوا عليهم شيئا من الماء. والإفاضة اجراء المائع من عل، ومنه قولهم: أفاضوا في الحديث أي اخذوه بينهم من أوله لأنه بمنزلة أعلاه. وأفاضوا من عرفات إلى مزدلفة معناه صاروا إليها.
قال الرماني: حد الماء جسم سيال يروي العطشان من غير غذاء الحيوان، وهو جوهر عظيم الرطوبة يزيد على جميع المائعات في كثرة المنفعة.
وقوله " أو مما رزقكم الله " قال ابن زيد والسدي: طلبوا مع الماء شيئا من الطعام. وقال أبو علي: طلبوا شيئا من نعيم الجنة، فأجابهم أهل الجنة بتحريم المنع، لا تحريم العبادة، فقالوا: " ان الله حرمها على الكافرين " وإنما جاز ان يطلبوا شيئا من نعيم الجنة مع اليأس منه، لأنهم لا يخلون من الكلام به أو السكوت عنه، وكلاهما لا فرج لهم فيه. وإنما لم يدرك أهل الجنة - مع خيريتهم - رقة على أهل النار، لان من الخيرية القسوة على أعداء الله وأعدائهم، وذلك من تهذيب طباعهم كما يبغض المسئ ويحب المحسن، وذلك دلالة على أن الله تعالى بنى هذه الجملة بنية لا تستغني عن الغذاء، لان أهل النار مع ما هم عليه من العذاب يطلبون الطعام والشراب.
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»
الفهرست