التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢١١
معنى قوله " فالق الاصباح " أي شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل، وذلك دال على القدرة العجيبة التي لا يقدر عليها غير الله، ويحتمل أن يكون معناه خالقه على ما حكيناه عن الضحاك وذكره الزجاج، ورفع " فالق " لأنه خبر عن الله تعالى بعد خبر كأنه قال " ان الله فالق الحب والنوى " فالق الاصباح.
ويحتمل أن يكون خبر ابتداء محذوف، فكأنه قال: هو فالق الاصباح.
والاصباح مصدر أصبحنا إصباحا، والمراد أصبح كل يوم، فهو في معنى الاصباح. وروي عن الحسن أنه قرأ " فالق الاصباح " بفتح الألف وما قرأ به غيره. ومعنى " وجاعل الليل سكنا " أي تسكنون فيه وتتودعون فيه، وهو قول مجاهد والضحاك وقتادة وابن عباس وأكثر المفسرين. وروي عن ابن عباس أن معناه، خالق الليل والنهار. وقوله " والشمس والقمر حسبانا " نصبهما عطفا على موضع الليل، لان موضعه النصب بأنه مفعول جاعل.
واختلفوا في معناه، فقال ابن عباس والسدي والربيع وقتادة، ومجاهد والجبائي: إنهما يجريان في أفلاكهما بحساب، تقطع الشمس الفلك في سنة ويقطعه القمر في شهر قدره الله تعالى به، فهو قوله " والشمس والقمر بحسبان " (1) وقوله: " وكل في فلك يسبحون " (2) وقال قتادة معناه انه جعل الشمس والقمر ضياء. والأول أجود لان الله تعالى ذكر بمثل هذا من أياديه عند خلقه وعظيم سلطانه بفلقه الاصباح لهم واخراج النبات والغراس من الحب والنوى، وعقب ذلك بذكر خلق النجوم للاهتداء بها في البر والبحر، وكان وصفه اجراء الشمس والقمر بمنافعهم أشبه، وأنها تجري بحسبان ما يحتاج الخلق إليه في معائشهم ومعاملاتهم: أما الشمس فللزرع والحرث، واما القمر فللمواعيد وآجال الديون في المعاملات، وفيها منافع لا يعرف تفصيلها الا الله تعالى، لأنه قال " فالق الاصباح " ذكر

(1) سورة 55 الرحمان آية 5.
(2) سورة 36 يس آية 40 وسورة 21 الأنبياء آية 33.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست