التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٨٣
ساعة. وقال البلخي: وأقل من شهر، ولا يدري ما بينهما الا الله، فلما أكمل الله عقله وخطر بباله ما يوجب عليه النظر وحركته الدواعي على الفكر والتأمل له. قال ما حكاه الله، لان إبراهيم (ع) لم يخلق عارفا بالله، وإنما اكتسب المعرفة لما أكمل الله عقله، وخوفه من ترك النظر بالخواطر، فلما رأى الكوكب - وقيل هو الزهرة - رأى عظمها واشراقها وما هي عليه من عجيب الخلق، وكان قومه يعبدون الكواكب، ويزعمون أنها آلهة - قال هذا ربي؟!
على سبيل الفكر والتأمل لذلك، فلما غابت وأفلت، وعلم أن الأفول لا يجوز على الله علم أنها محدثة متغيرة لتنقلها، وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس، وأنه لما رأى أفولهما قطع على حدوثهما واستحالة إلهيتهما، وقال في آخر كلامه " اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه.
فان قيل: كيف يجوز ان يقول: هذا ربي مخبرا، وهو يجوز أن يكون مخبره لا على ما اخبر، لأنه غير عالم بذلك، وذلك قبيح في العقول، ومع كمال عقله لابد أن يلزمه التحرز من الكذب؟!
قلنا عن ذلك جوابان:
أحدهما - أنه قال ذلك فارضا مقدرا، لا مخبرا بل على سبيل الفكر والتأمل، كما يقول الواحد منا لغيره إذا كان ناظرا في شئ ومحتملا بين كونه على إحدى صفتين: انا نفرضه على إحداهما لننظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد، ولا يكون بذلك مخبرا، ولهذا يصح من أحدنا إذا نظر في حدوث الأجسام وقدمها ان يفرض كونها قديمة ليتبين ما يؤدي إليه ذلك الفرض من الفساد.
والثاني - انه اخبر عن ظنه وقد يجوز أن يكون المفكر المتأمل ظانا في حال نظره وفكره ما لا أصل له ثم يرجع عنه بالأدلة والعلم ولا يكون ذلك
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست