فتح المعين - حسن بن علي السقاف - الصفحة ٨٦
أما ما يتعلق بي ورميه لي بأني قبوري ومبتدع (20)، وخالفت الأصول فتلك دعوى من دعاواك التمسلفية التي ترمي الناس بالجهل والكفر يمينا وشمالا، وتوزع عليهم أنواعا من الفحش والبذاءة بقدر ما ينطوي عليه قلبك من اللؤم والخبث.
وقد تدخلت بيني وبين أخي من غير أن تعرف ما كان بيننا، ونصبت نفسك حاكما تخطئني وتصوبه من غير أن يطلب منك التحكيم.
والذي قلته وأقوله: أن هجر المسلم المبتدع أو الفاسق لا يوجد فيه دليل على وجوبه (21).

(٢٠) كما ذكر ذلك الدكتور في حاشية كتابه (هجر المبتدع) ص (٨) حيث قال: وكان الزمزمي قد قاطع أخاه عبد الله لما لديه من الدعوة إلى القبوريات وإلى بناء المساجد على القبور، وخدمة زاوية أبيه، في سلسلة يطول ذكرها من البدع المضلة اه‍.
قلت: وأعجب من الدكتور كيف كان يقبل يد السيد عبد الله بن الصديق وينحني له قبل أن يأخذ الإجازة منه وقد ذهب إلى طنجة واطلع على الأمر الذي يقوله!!.
أم أن ذلك جائز للمصلحة؟!.
ومما قدمناه يتبين ان الدكتور بكر متفرغ لتوزيع أنواع الفحش والاتهام والسب والتكفير والتضليل على علماء الأمة وسائر المسلمين وهو يستأجر شبابا حدثان الأسنان سفهاء الأحلام لتنفيذ ذلك الهدف أيضا ويأمرهم بالتأليف في الرد على فلان وفلان مغريا لهم بالمال وبانتشار مؤلفاتهم وإنشاء صيت وسمعة لهم، والحقيقة انها مؤلفات فاشلة تافهة ولو بلغت آلاف المجلدات وصيت فارغ، لبعد جميع أولئك المرتزقة عن حقيقة العلم والورع والخشية من الله تعالى كما هو الظاهر لنا والله أعلم بالسرائر، فعسى أن يهدي الله تعالى أجراء الدكتور.
(٢١) لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال)، رواه البخاري ومسلم انظر فتح الباري (١٠ / ٤٩٢) وقد رأيت من المناسب هنا أن أنقل ملخصا بعض ما جاء في رسالة إمام العصر سيدي عبد الله بن الصديق المسماة (بالنفحة الذكية في أن الهجر بدعة شركية) للانتفاع فأقول: قال رضي الله عنه ونفعنا به:
ان الصواب الذي ليس بعده إلا الخطأ حرمة الهجر بجميع أنواعه ولا يوجد هجر مشروع لأجل الدين ولا لغيره وأنه منابذ لروح التشريع الاسلامي، والذين قالوا بمشروعيته مخطئون واهمون استندوا إلى ما ليس بدليل توهموه دليلا فهم مثابون على اجتهادهم مغفور لهم خطؤهم لكن يحرم على الحاقدين المتنطعين أن يتخذوا خطأهم ذريعة لقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ومفارقة من لم يوافق هواهم.
وقد يعذر المقلد لمجتهد مخطئ، إذا كان تقليده عن حسن نية، أما المقلد عن سؤ قصد فهو آثم مغرور، ولا يعفيه من الاثم أن يورد آيات وأحاديث يوهم بإيرادها أنه من أهل الاستدلال والاحتجاج، بل هذا مما يضاعف إثمه ويغلظ عقوبته عند الله تعالى لأنه أصر على التقليد بعناد، وحمل الآيات والأحاديث خلاف ما تقتضيه من المعنى المراد وهذا جز سميته (النفحة الذكية، في أن الهجر بدعة شركية) أوضحت فيه: أن الهجر في الأصل ابتدعه المشركون، قاطعوا به رسل الله الداعين إلى توحيده، وأن الإسلام حرمه تحريما باتا وجعله من الكبائر الموبقات، ولم يرخص فيه لاحد من المسلمين إلا في حالة عذر ضروري كما رخص للمضطر في أكل الميتة.
وما رخص فيه الشارع لعذر، لا يكون مشروعا على الإطلاق بل شرعيته مقيدة بحالة العذر، لا يتجاوزها.
ومن القواعد المقررة المعروفة: أن ما أبيح للضرورة يتقدر بقدرها.
وليس في الحالة التي أبيح فيها الهجر، كون المهجور مبتدعا أو فاسقا بشرب الخمر أو غيره، فإن الإسلام لا يعرف هجر المسلم لبدعته أو فسقه، بل ولا يقره، فضلا عن أن يدعى فيه أنه واجب أو سنة، تالله أن هذه الدعوى كاذبة، وسيأتي بيان ذلك مفصلا، إن شاء الله تعالى.
(تنبيه):
من المقرر المعلوم: أن الشخص إذا ضعف في ميدان المناظرة احتجاجه، واختل برهانه ولم يسعفه بيانه، ووجد مناظره قوي الحجة، صحيح البرهان، واضح البيان، لم يجد سبيلا لمقاومته إلا أن يهجره، ويوصي أصحابه بهجره، حتى لا يتأثروا بحسن منطقه، فينضموا إليه.
وهذا هو ما فعله المشركون في مقاومة دعوة التوحيد، وهي الدعوة التي أيدتها قضايا العقول، وشهدت بصحتها الفطر السليمة، (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) ومن المشركين من لجأوا في محاربة دعوة التوحيد، إلى طريقة بدائية، حين كان العقل الإنساني ما زال في دور طفولته.
استمع إلى سيدنا نوح عليه السلام، وهو يشكو إلى الله قومه (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) قال ابن عباص جعلا وأصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يقول واستغشوا ثيابهم، قال غطوا بها وجوههم لكيلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه.
ونحن نعلم أن الأطفال إذا تنازعوا في شئ من لعبهم، يضع أحدهم إصبعه في أذنيه، لئلا يسمع كلام منازعه، يغيظه بذلك.
فإذن قد استعمل قوم نوح طريقة صبيانية.
ومن المشركين من استعمل التشويش، كما يستعمل الآن في الإذاعة بين الدول المتحاربة.
وأول من ابتدع الهجر من المشركين آزر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لما ضاق ضرعا بدعوة ابنه إلى التوحيد وعجز عن معارضة حجته، لم يجد مخلصا منه إلا أن قال له (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) أي اعتزلني دهرا طويلا، حتى لا أسمع دعوتك.
وكذلك فعل المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع صحابته.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيمون سمعا) أي كانوا لا يستطيعون أن يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشدة عداوتهم له فهم يهجرونه، ويبتعدون عنه.
وكذلك قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه) وكذلك قوله تعالى: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) فأبو أحيحة لم يجد حيلة في ابنه الذي أسلم إلا أن يهجره ويأمر اخوته بهجره.
وكذلك كل مبتدع يزعم أن هجر المسلمين طاعة وقربة، ويلح على تثبيت ذلك في عقول أصحابه البسطاء مع اعتقاده في داخل نفسه أنه كاذب مخادع، لأنه إنما يهجر المسلمين عامة، واخوته خاصة، لغرض شخصي، لا علاقة له بالدين، وسنكشف عن ذلك الغرض، موضحا بالأدلة والشواهد، فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
فصل يتبين من المثل المذكورة في هذه المقدمة: أن المشركين توافقوا على الهجر الذي جعلوه سلاحا ضد رسل الله، منذ عهد قوم نوح، إلى عهد كفار قريش.
ومن القواعد التي يجهلها وهابي طنجة: أن ما ابتدعه المشركون أعداء الله، لا يمكن أن يشرعه الله لأوليائه المؤمنين، وجوبا أو ندبا يتعاملون به فيما بينهم وإنما يشرعه ليعاملوا به الكفار معاملة بالمثل.
ألا ترى إلى الاسترقاق، لما ظهر الإسلام، وجده معمولا به عند الكفار في بقاع الأرض، شرقها وغربها عجمها وعربها، فأجاز الله للمسلمين إذا جاهدوا الكفار أن يسترقوا أسراهم، من باب المعاملة بالمثل.
وحرم عليهم إذا قاتلوا البغاة أو الخوارج أن يسترقوا أسيرا منهم لأنهم مسلمون.
كذلك الهجر أجازه الله بالنسبة للكفار، معاملة بالمثل، قال تعالى (واهجرهم هجرا جميلا.. وأعرض عن المشركين).
وحرمه على المسلمين فيما بينهم، تحريما بالغا، وجعله من الكبائر الموجبة للنار، ولم يرخص لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام.
والأحاديث متواترة صريحة في تحريم الهجر تحريما عاما، ذكرت بعضها في القول المسموع وهو مطبوع.
وقد غلط أبو داود رحمه الله، حيث قال في سننه بعد أن روى جملة من أحاديث تحريم الهجر: إذا كانت الهجرة لله، فليس من هذا في شئ، هجر النبي (ص) بعض نسائه أربعين يوما، وأبن عمر هجر أبنا له إلى أن مات. اه‍.
وبيان غلطه من وجوه:
ا - أن هجر النبي لبعض نسائه أربعين يوما، لا يصلح لتخصيص أحاديث تحريم ا لهجر.
لأنه ضعيف، ولأنه من باب الايلاء الذي يكون بين الرجل وزوجته.
2 - لو فرض صلاحيته للتخصيص، فهو يفيد تخصيص النبي (ص) في عموم تحريم الهجر.
لأن المقرر في علم الأصول في صور تعارض قوله وفعله عليه الصلاة والسلام أن قوله إذا كان عاما له وللأمة نحو (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال) وجاء فعله مخالفا له، كهجره بعض نسائه أكثر من ثلاث، يكون الفعل خاصا به، ولا يشمل غيره لأنه ليس من صيغ العموم.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 80 81 83 85 86 86 94 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 توطئة 3
2 تقديم 4
3 فتح المعين بنقد كتاب الأربعين 11
4 مقدمة 12
5 نقد باب إيجاب قبول صفة الله تعالى 16
6 نقد في باب الرد على من رأى كتمان أحاديث صفات الله تعالى 19
7 نقد باب أن الله تبارك وتقدس وتعالى شيء 23
8 نقد باب أن الله عز وجل شخص 24
9 تنبيه 25
10 نقد باب إثبات النفس لله عز وجل 26
11 نقد باب الدليل على أنه تعالى في السماء 27
12 نقد باب وضع الله عز وجل قدمه على الكرسي 29
13 نقد باب إثبات الحد لله عز وجل 31
14 نقد باب في إثبات الجهات لله عز وجل 32
15 نقد باب إثبات الصورة له عز وجل 34
16 نقد باب إثبات العينين له تعالى وتقدس 36
17 نقد باب إثبات اليدين لله عز وجل 38
18 نقد باب خلق الله الفردوس بيده 39
19 نقد باب إثبات الخط لله عز وجل 41
20 نقد باب أخذ الله صدقة المؤمن بيده 42
21 نقد باب إثبات الأصابع لله عز وجل 43
22 نقد باب إثبات الضحك لله عز وجل 46
23 نقد باب إثبات القدم لله عز وجل 48
24 نقد باب الدليل على أن القدم هو الرجل 51
25 نقد باب إثبات الهرولة لله عز وجل 53
26 نقد باب إثبات نزوله إلى السماء الدنيا 54
27 نقد باب إثبات رؤيتهم إياه عز وجل في الجنة 57
28 خاتمة فيها مسائل 58
29 بيني وبين الشيخ بكر 67