بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٣
الاستعداد للبلاء هو في يوسف خاصة، فاشتدت رقته عليه من بين ولده، فلما رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب (1) بيوسف وتكرمته إياه وإيثاره إياه عليهم اشتد ذلك عليهم، وبدا البلاء فيهم، فتآمروا (2) فيما بينهم وقالوا: إن يوسف وأخاه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين، اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم و تكونوا من بعده قوما صالحين، أي تتوبون. فعند ذلك قالوا: " يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع " فقال يعقوب: " إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب " فانتزعه حذرا عليه منه من أن تكون البلوى من الله على يعقوب في يوسف خاصة لموقعه من قلبه وحبه له، قال: فغلبت قدرة الله وقضاؤه ونافذ أمره في يعقوب ويوسف وإخوته، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه ولا عن يوسف وولده فدفعه إليهم وهو لذلك كاره، متوقع للبلوى من الله في يوسف، فلما خرجوا من منزلهم لحقهم مسرعا فانتزعه من أيديهم فضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم، فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم، (3) فلما أمعنوا به أتوا به غيضة أشجار فقالوا: نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة.
فقال كبيرهم: " لا تقتلوا يوسف " ولكن " ألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين " فانطلقوا به إلى الجب فألقوه وهم يظنون أنه يغرق فيه، فلما صار في قعر الجب ناداهم: يا ولد رومين اقرؤوا يعقوب عني السلام، فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض: لا تزالوا من ههنا حتى تعلموا أنه قد مات، فلم يزالوا بحضرته حتى أمسوا (4) ورجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب " فلما سمع مقالتهم استرجع واستعبر وذكر ما أوحى الله عز وجل إليه من الاستعداد للبلاء، فصبر وأذعن للبلوى (5) وقال لهم: " بل سولت لكم أنفسكم

(1) في نسخة: صنيع يعقوب. وفى أخرى: ما صنع يعقوب.
(2) أي تشاوروا.
(3) في نسخة: ولا يعيده إليهم.
(4) ": حتى أيسوا.
(5) في المصدر: للبلاء. م
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست