شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٩٥
الحاضرين أيضا محتمل.
هذا، وقال بعض الناظرين في هذا الحديث أن إيجاده تعالى للشر بالعرض لا بالذات بل ذلك تابع لإيجاد الخيرات. ألا ترى أن خلق الماء فيه منافع كثيرة وشرور قليلة مثل هدم بعض الأبنية وهلاك بعض الأشخاص وهو تعالى إنما أوجده للأول لا للثاني، وكذا كل خلق مشتمل على خيرات كثيرة وشرور قليلة، وليس خلقه إلا لاشتماله على الخيرات لا لاشتماله على الشرور ولا لاشتماله عليهما جميعا فيكون وقوع الشر منه تعالى بالعرض وبتبعية الخيرات لا بالذات وظني أنه لا مدخل له في هذا الحديث (1); لأن المقصود من الخير والشر هو الخير والشر من أفعال العباد كما يشعر له سياق الكلام وما ذكره إنما يتم في أفعاله تعالى لا في أفعالهم، وعلى تقدير التسليم فهذا القايل قد اعترف بأن موجد الخيرات بالذات (2) هو الله تعالى، وهذا بعينه مذهب الجبرية (3).

1 - قوله: «وظني أنه لا مدخل له في هذا الحديث» والحق أنه لا فرق بين الشرين ومناط الإشكال فيهما والجواب عنه واحد، والإشكال أنه لم خلق الشرور التكوينية كالأمراض والآلام؟ ولم قدر المعاصي وأجراها على أيدي عباده مع أنه كان قادرا على عدم إيجاد الأمراض والآلام وعدم إيجاد من يعلم أنه يعصي والآلات التي يعصى به؟
والجواب أن خلق الشرور بالعرض لا بالذات على ما أجاب الشارح. (ش) 2 - قوله: «وقد اعترف بأن موجد الخيرات بالذات» لعل القائل أراد بالخيرات الخيرات التكوينية ولا يرد عليه إيراد الشارح ولا يستلزم قوله الجبر. نعم يرد عليه تخصيصه الكلام بالتكوينيات إن كان مراده التخصيص، والأولى أن غرضه الجواب عن التكويني حتى يتنبه منه على جواب الشرور الاختيارية. (ش) 3 - قوله: «وهذا بعينه مذهب الجبرية» مذهب الجبرية أن الخير والشر كليهما من الله ولا يخصصون بالخير، والإجبار على الخير لو كان عاما لجميع الناس لم يكن ظلما وإنما الظلم الفرق والتخصيص، وقد استشهد بعض الجبرية بقول الحكماء «لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى» وهو استشهاد باطل صدر من جاهل غير متدبر للأمور، والعجب أنهم يعترضون على الحكماء في قولهم بإثبات العقول واسطة بين الله وبين بعض خلقه ويزعمون أنهم ينفون القدرة والتأثير عن الله تعالى وبعضهم يجعل إثباتهم المعدات والأسباب نفيا لقدرته تعالى فكيف يستشهدون بقولهم «لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى» والحق أنه «لا مؤثر في الوجود إلا الله» كما قالوا، لا تقليدا لهم وتعبدا لقولهم بل لأن سلسلة الوجود ينتهى إليه تعالى، والتسلسل باطل، فكل من فعل فعلا فإنما فعل ما فعل بالوجود المستفاد منه المتعلق به والقدرة الحاصلة بإرادته. والإنسان الفاعل بالاختيار له وجود ظلي ربطي غير مستقل بل متعلق به تعالى وصدر فعله عنه بالاختيار الذي جعله الله تعالى فيه والتمكين الذي قدر له، وهذا لا يوجب الجبر بل هو عين الاختيار نظير ذلك عمل أفراد الجند باختيارهم موافقا لإرادة أمرائهم وينسب فتح البلاد والظفر على الأعداء والغلبة في الحرب إلى القواد والأمراء وإلى كل واحد من الجندية ويثابون إن جهدوا، ويعاقبون إن قصروا، ولا ينافي تأثير الأمير والقائد الشجاع المدبر في الفتح والغلبة اختيار أفراد الجند، فالمؤثر أولا هو الأمير وبعده الأفراد كل باختيارهم وإنما الجبر أن يجري فعل على يد العبد بسبب مباين مضاد لاختياره، وليكن في خاطرك هذا المثال حتى يحين حين شرحه في بيان الأمر بين الأمرين إن شاء الله تعالى. (ش)
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست