شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٩٢
ليس تعلق علمه بأنه سعيد (1) وعلمه بسعادته لا يلزم وجودها لا باختياره وإرادته; لأن العلم تابع للمعلوم ومطابق لما يقع في نفس الأمر، وفيه تنبيه على الخوف من سوء الخاتمة، وهو الذي قرح قلوب العارفين، ووقع من سوئها جزئيات كثيرة، وزل فيها أقدام جماعة من أهل العرفان ولذلك كان أهل الحق والسعادة يطلبون حسن العاقبة واستقامة الخاتمة بالتضرع والابتهال، وقد وقع مثل هذا الحديث في طرق العامة، روي مسلم في باب بيان المقادير السابقة بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة» وبإسناده عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة».
قال المازري: الانتقال من الشر إلى الخير كثير، وأما من الخير إلى الشر فهو في غاية الندور، وهو من باب «سبقت رحمتي غضبي» ثم الشر المنتقل إليه أعم من كونه كفرا وشر مخالفة.
قال الآبي: وما ذكر المازري من أن ذلك في غاية الندور، ذكر الغزالي أن تسعين صديقا انحطت من درجة الصديقية إلى درجة الزندقة باتخاذ النساء، وغرضنا من نقل أحاديثهم وأقاويلهم هو الإشعار بأنهم أيضا قايلون بأن الانتقال من أحدهما إلى الآخر غير مستبعد من غير المعصوم فكيف يستبعدون ذلك من الثلاثة الذين خلفوا على تقدير إيمانهم وخروجهم من الكفر الذي مضوا عليه في أكثر عمرهم.

1 - قوله: «ليس إلا تعلق علمه بأنه سعيد» هذا هو الكلام الحاسم لمادة الإشكال وعليه نجري في تأويل كل كلام يوهم خلاف ذلك وقد نظمه بعض الشعراء ونسب إلى الحكيم نصير الدين الطوسي (قدس سره):
علم أزلي علت عصيان كردن * نزد عقلا زغايت جهل بود وبالجملة علم الله تعالى أن كل شيء يتحقق بأسبابه وعلله الواقعية فما كانت علته أمرا طبيعيا كالشفاء من المرض بالدواء، والموت بالسم، ونبات الشجر بسقى الماء، وإضاءة العالم بطلوع الشمس، أو كانت أمرا اختياريا كالنجاة من القتل بالفرار، وتحصيل المال بالاكتساب، والتفقه بالنفر إلى العالم والتعلم منه، والجنة بالإطاعة، فكل تلك إنما علم الله تعالى وقوعها بأسبابها والإطاعة في علم الله تعالى باختيار العبد وليس شئ أمرا محتوما بحيث يجب أن يقع وإن لم يكن وجد سببه، فليس علم الله تعالى بنبات الشجر بسقي الماء موجبا لنباته وإن لم يكن ماء ولا علمه الله تعالى بشفاء المرض بالدواء موجبا للشفاء وإن لم يكن دواء وكذلك علمه تعالى بإطاعة العبد باختياره الإطاعة ليس موجبا لوقوع الإطاعة وإن لم يختر العبد الإطاعة، وهذا أصل فليكن في ذكرك واحمل جميع ما يوهم الجبر عليه إن شاء الله تعالى. (ش)
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»
الفهرست