شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٣٩
الرضا (عليه السلام) لسليمان المروزي وهو كان منكرا للبداء وطلب منه (عليه السلام) ما يدل عليه من القرآن قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) (فتول عنهم فما أنت بملوم) ثم بدا لله تعالى فقال (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) يريد (عليه السلام) أنه تعالى أراد إهلاكهم (1) لعلمه بأنهم لا يؤمنون وأراد بقاءهم لعلمه بأنه يخرج من أصلابهم المؤمنون، فرجح بقاءهم وحكم به تحقيقا لمعنى الإيمان.
ومنها: محو ما ثبت وجوده (2) في وقت محدود بشروط معلومة ومصلحة مخصوصة وقطع استمراره بعد انقضاء ذلك الوقت والشروط والمصالح سواء ثبت بدله لتحقق الشروط والمصالح في إثباته أو لا، ومن هذا القبيل: الإحياء والإمانة والقبض والبسط في الأمر التكويني ونسخ الأحكام بلا بدل أو معه في الأمر التكليفي.
والنسخ أيضا داخل في البداء كما صرح به الصدوق في كتابي التوحيد والاعتقادات. ومن أصحابنا من خص البداء بالأمر التكويني وأخرج النسخ عنه وليس لهذا التخصيص وجه يعتد به (3) وإنما سميت هذه المعاني بداء لأنها مستلزمة لظهور شيء على الخلق بعد ما كان مخفيا عنهم، ومن ثم عرف البداء بعض القوم بأنه أن يصدر عنه تعالى أثر لم يعلم أحد من خلقه قبل صدوره عنه أنه يصدر عنه. واليهود أنكروا البداء وقالوا (يد الله مغلولة) (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) وهم يعنون بذلك أنه تعالى فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا، ونقل عنهم أيضا: أنه تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا، ويقرب منه قول النظام من المعتزلة: إن الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها، وكأنه أخذ ذلك من الكمون والظهور من مذهب الفلاسفة. ونقل صاحب الكشاف عن الحسين بن الفضل ما يعود إلى هذا المذهب وهو أن عبد الله بن طاهر دعا الحسين ابن الفضل وذكر أن من آيات أشكلت عليه قوله عز من قائل (كل يوم هو في شأن) وقد صح «أن القلم جف بما هو كاين إلى يوم القيامة» فقال الحسين: أما قوله (كل يوم هو في شأن) فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها (4)، وهذه المذاهب عندنا باطلة لأنه تعالى يحدث ما يشاء

1 - قوله: «يريد أنه تعالى أراد أهلاكهم» بل كلام الإمام تعميم معنى البداء حتى يشمل النسخ، فأمر أولا بالإعراض عن الكفار، وأمر ثانيا بتذكيرهم ومنعه من الإعراض. (ش) 2 - قوله: «ومنها محو ما ثبت وجوده» هذا راجع إلى الوجه الأول المذكور.
3 - قوله: «وليس لهذا التخصيص وجه يعتد به» بل هو اصطلاح خاص غير مصطلح الروايات ولا مشاحة في الاصطلاح وإنما فرق الأصوليون بين النسخ والبداء لاختلاف حكمهما وجواز الأول واستحالة الثاني، ولا بد عند الفرق بين الاحكام تفرق الاصطلاح حتى لا يشتبه الأمر على غير المتدبر. (ش) 4 - قوله: «شؤون يبديها» أي يظهرها في الوجود الخارجي بعد أن كان معلوما عند الباري، لا أنه تعالى يبتديها من غير أن يكون له علم بها في الأزل، وإرجاع هذا القول إلى مذهب الكمون والبروز غير ظاهر لي وكذلك إرجاعه إلى قول النظام وإرجاع قول النظام إلى قول هؤلاء، نعم يشبه كلام النظام قول المتأخرين في الدهر والزمان، وقول الحسين بن الفضل لا يخالف مذهب ساير المؤمنين بالقضاء. (ش)
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست