البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٢٧
العين لقوله تعالى * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * (الانعام: 145) والرجس النجس والضمير عائد إليه لقربه وقد بسطنا الكلام فيه في الكلام على جلده. وأما سؤر سباع البهائم فقد قال الشافعي بطهارته محتجا بما رواه البيهقي والدارقطني عن جابر قال قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع كلها. بما رواه مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص: يصاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبره فإنا نرد على السباع وترد علينا. وبما رواه ابن ماجة عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا على رجل عند مقراة له فقال عمر: يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك؟ فقال عليه السلام: يا صاحب المقراة لا تخبره هذا مكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور. ولنا أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، والظاهر من الحرمة مع كونه صالحا للغذاء غير مستقذر طبعا كونه للنجاسة وخبث طباعها لا ينافيه بل ذلك يصلح مثيرا لحكم النجاسة فليكن المثير لها فيجامعها ترتيبا على الوصف الصالح للعلية مقتضاه، ولأنه ليس فيه ضرورة وعموم بلوى فيخرج السنور والفأرة، ولان لسانه يلاقي الماء فيخرج سباع الطير لأنه يشرب بمنقاره كما سيأتي. ولم تتعارض أدلته فيخرج البغل والحمار، وأما حديث جابر فقد اعترف النووي بضعفه، وأما أثر الموطأ فهو وإن صححه البيهقي وذكر أنه مرسل يحتج به على أبي حنيفة فقد ضعفه ابن معين والدارقطني وأما حديث ابن ماجة فقد ضعفه ابن عدي، وعلى تسليم الصحة يحمل على الماء الكثير أو على ما قبل تحريم لحوم السباع أو على حمر الوحش وسباع الطير بدليل ما تمسكوا به من حديث القلتين فإنه صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا جوابا لسؤاله عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع اعطاء لحكم هذا الماء الذي ترده السباع وغيره، فإن الجواب لا بد أن يطابق أو يزيد فيندرج فيه المسؤول عنه وغيره وقد قال بمفهوم شرطه فنجس ما دون القلتين وإن لم يتغير، وحقيقة مفهوم شرطه أنه إذا لم يبلغها يتنجس من ورود السباع وهذا من الوجوه الالزامية له.
قال الزيلعي رحمه الله: ثم اعلم أن في مذهب أصحابنا في سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع إشكالا فإنهم يقولون لأنه متولد من لحم نجس ثم يقولون إذا ذكى طهر لحمه لأن نجاسته لأجل رطوبة الدم وقد خرج بالذكاة فإن كانوا يعنون بقولهم نجس عينه وجب أن لا يطهر بالذكاة كالخنزير، وإن كانوا يعنون به لأجل مجاورة الدم فالمأكول كذلك يجاوره الدم، فمن أين جاء الاختلاف بينهما في السؤر إذا كان كل واحد منها يطهر بالذكاة ويتنجس بموته حتف أنفه ولا فرق بينهما إلا في المذكي في حق الاكل والحرمة لا توجب النجاسة؟ وكم من طاهر لا يحل أكله ومن ثم قال بعضهم: لا يطهر بالذكاة إلا جلده لا حرمة لحمه لا لكرامته
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»
الفهرست