البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٣٨
في ذلك بأن قال أخذت هذا الماء من النهر وسددت فم هذا الاناء ولم يخالطه شئ أصلا رجحنا خبره لتأيده بالأصل، وإن بنى خبره على الاستصحاب وقال كان طاهرا فيبقى كذلك رجحنا خبر النجاسة لأنه أخبر عن محسوس مشاهد وأنه راجح على الاستصحاب أه‍. والذي ظهر لي أنه يحمل كلام المشايخ على ما إذا لم يبين مستند اخباره فإذا لم يبين يعمل بالأصل وهو الطهارة، وإن بين فالعبرة لهذا التفصيل.
قوله (بخلاف نبيذ التمر) يعني إن فقد ماء مطلقا ولم يجد إلا نبيذ التمر فإنه يتوضأ ولا يجمع بينه وبين التيمم، وذكر هذه المسألة هنا إما لأنه مما يجوز الوضوء به على رأي أو لأن محمدا لما أوجب الجمع صار عنده مشكوكا فيه فشابه سؤر الحمار. كذا قيل لكن لا يخفى ضعف الثاني لأن المصنف جعله مخالفا لسؤر الحمار. ثم اعلم أن الكلام ههنا في ثلاثة مواضع: الأول في تفسيره. الثاني في وقته. الثالث في حكمه. أما الأول فهو أن يلقي في الماء تميرات فيصر رقيقا يسيل على الأعضاء حلوا غير مسكر ولا مطبوخ. وإنما قلنا حلوا لأنه لو توضأ به قبل خروج الحلاوة يجوز بلا خلاف، وإنما قلنا غير مسكر لأنه لو كان مسكرا لا يجوز الوضوء به بلا خلاف لأنه حرام، وإنما قلنا غير مطبوخ لأنه لو طبخ فالصحيح أنه لا يتوضأ به إذ النار قد غيرته حلوا كان أو مشتدا كمطبوخ الباقلاء. كذا في المبسوط والمحيط يعني بلا خلاف بين الثلاثة وهو الأليق بما قدمناه من أن الماء يصير مقيدا بالطبخ إذا لم يقصد به المبالغة في التنظيف، وبه يظهر ضعف ما صححه في المفيد والمزيد أنه يجوز الوضوء به بعدما طبخ. وقد ذكر الزيلعي أن صاحب الهداية وقع منه تناقض فإنه ذكر هنا أن النار إذا غيرته يجز الوضوء به عند أبي حنيفة لجواز شربه، وذكر في بحث المياه أنه لا يجوز الوضوء بما تغير بالطبخ أه‍. ولا يخفى ثبوت الخلاف في هذه المسألة لأن اختلاف التصحيح ينبئ عنه فكان فيه روايتان، فيحتمل أن يكون مراد صاحب الهداية نقل الرواية في الموضعين فلا تناقض حيث أمكن التوفيق، وأما سائر الأنبذة فإنه لا يجوز الوضوء بها عند عامة العلماء وهو الصحيح لأن جواز التوضؤ بنبيذ التمر ثابت بخلاف القياس بالحديث ولهذا لا يجوز عند القدرة على الماء المطلق فلا يقاس عليه غيره. كذا في غاية البيان. وأما الثاني قال أبو حنيفة:
كل وقت يجوز التيمم فيه يجوز التوضؤ به وإلا فلا. كذا في معراج الدراية. وأما الثالث ففيه ثلاث روايات عن أبي حنيفة: الأولى وهو قوله الأول أنه يتوضأ به جزما ويضيف التيمم إليه
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»
الفهرست