البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٤٢
وقال القرطبي: نزلت الآية في عبد الرحمن بن عوف أصابته جنابة وهو مريض فرخص له في التيمم، وقيل غير ذلك. وأما سبب وجوبه فما هو سبب وجوب أصله المتقدم. وأما كيفيته فستأتي. وأما دليله فمن الكتاب في آيتين في سورة النساء والمائدة وهما مدنيتان. ومن السنة فأحاديث منها ما رواه البخاري ومسلم عن عمار بن ياسر قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة - وفي رواية فتمعكت - ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه. ثم اعلم أن التيمم لم يكن مشروعا لغير هذه الأمة وإنما شرع رخصة لنا، والرخصة فيه من حيث الآلة حيث اكتفي بالصعيد الذي هو ملوث وفي محله بشطر أعضاء الوضوء. كذا في المستصفى.
قوله (يتيمم لبعده ميلا عن ماء) أي يتيمم الشخص وهذا شروع في بيان شرائطه فمنها أن لا يكون واجدا للماء قدر ما يكفي لطهارته في الصلاة التي تفوت إلى خلف وما هو من أجزائها لقوله تعالى * (فلم تجدوا ماء فتيمموا) * (النساء: 43) وغير الكافي كالمعدوم وهذا عندنا. وقال الشافعي: يلزمه استعمال الموجود والتيمم للباقي لأن ما نكرة في النفي فتعم وقياسا على إزالة بعض النجاسة وستر بعض العورة، وكالجمع في حالة الاضطرار بين الذكية والميتة. قلنا: الآية سيقت لبيان الطهارة الحكمية فكأن التقدير فلم تجدوا ماء محللا للصلاة فإن وجود الماء النجس لا يمنعه من التيمم إجماعا وباستعمال القليل لم يثبت شئ من الحل يقينا على الكمال فإن الحل حكم والعلة غسل الأعضاء كلها وشئ من الحكم لا يثبت ببعض العلة كبعض النصاب في حق الزكاة، وكبعض الرقبة في حق الكفارة، والقياس على الحقيقية والعورة فاسد لأنهما يتجزءان فيفيد إلزامه باستعمال القليل للتقليل، ولا يفيد هنا إذ لا يتجزأ هنا بل الحدث قائم ما بقي أدنى لمعة فيبقى مجرد إضاعة مال خصوصا في موضع عزته مع بقاء الحدث كما هو، وأما الجمع حالة الاضطرار فلان الذكية لما لم تدفع الاضطرار صارت كالعدم.
كذا ذكر في كثير من الشروح لكن في الخلاصة: ولو وجد من الماء قدر ما يغسل به بعض النجاسة الحقيقية أو وجد من الثوب قدر ما يستر بعض العورة لا يلزمه ا ه‍. ولو وجد ماء يكفي للحدث أو إزالة النجاسة المانعة غسل به الثوب منها وتيمم للحدث عند عامة العلماء، وإن توضأ به وصلى في النجس أجزأه وكان مسيئا. كذا في الخانية. وفي المحيط: ولو تيمم أولا ثم غسل النجاسة يعيد التيمم لأنه تيمم وهو قادر على ما يتوضأ به ا ه‍. وفيه نظر بل الظاهر الحكم بجواز التيمم تقدم على غسل الثوب أو تأخر لأنه مستحق الصرف إلى الثوب على ما قالوا، والمستحق الصرف إلى جهة معدوم حكما بالنسبة إلى غيرها كما في مسألة اللمعة مع
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»
الفهرست