البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٧٩
قوله: (وكل إهاب دبغ فقد طهر) لما كان يتعلق بدباغ الإهاب ثلاث مسائل طهارته وهي تتعلق بكتاب الصيد، والصلاة فيه وهي تتعلق بكتاب الصلاة، والوضوء منه بأن يجعل قربة وهي تتعلق بالمياه، ذكر في بحث المياه لإفادة جواز الوضوء منه بطريق الاستطراد فاندفع بهذا ما قيل إن هذا الموضع ليس لبيان هذه المسألة. والإهاب الجلد غير المدبوغ والجمع أهب بضمتين وبفتحتين اسم له، وأما الأديم فهو الجلد المدبوغ وجمعه أدم بفتحتين. كذا في المغرب. وكذا يسمى صرما وجرابا كذا في النهاية. وقوله كل إهاب يتناول كل جلد يحتمل الدباغة لا ما لا يحتمله فلا حاجة إلى استثنائه وبه يندفع ما ذكره الهندي أنه كان ينبغي استثناء جلد الحية فلا يطهر جلد الحية والفأرة به كاللحم، وكذا لا يطهر بالذكاة لأن الذكاة إنما تقام مقام الدباغ فيما يحتمله. كذا في التنجيس. وفيه: إذا أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جازت صلاته لأنه يتخذ منها الأوتار وهو كالدباغ، وكذلك العقب والعصب كذا لو دبغ المثانة فجعل فيها لبن جاز ولا يفسد اللبن، وكذلك الكرش إن كان يقدر على اصلاحه.
وقال أبو يوسف في الاملاء: إن الكرش لا يطهر لأنه كاللحم ا ه‍. وأما قميص الحية فهو طاهر كذا في السراج الوهاج. ثم الدباغ هو ما يمنع عود الفساد إلى الجلد عند حصول الماء فيه. والدباغ على ضربين حقيقي وحكمي، فالحقيقي هو أن يدبغ بشئ له قيمة كالشب والقرظ والعفص وقشور الرمان ولحي الشجر والملح وما أشبه ذلك، وضبط بعضهم الشب بالباء الموحدة. وذكر الأزهري أن غيره تصحيف، وضبطه بعضهم بالثاء المثلثة وهو نبت طيب الرائحة مر الطعم يدبغ به، ذكره الأزهري في الصحاح، وبأيهما كان فالدباغ به جائز.
وأما القرظ فهو بالظاء لا بالضاد ورق شجر السلم بفتح السين واللام ومنه أديم مقروظ أي مدبوغ بالقرظ. قالوا: والقرظ نبت بنواحي تهامة كذا ذكره النووي في شرح المهذب. وإنما نبهنا عليه لأنه يوجد مصحفا في كثير من كتب الفقه يقرأ بالضاد. والحكمي أن يدبغ بالتشميس والترتيب والالقاء في الريح لا بمجرد التجفيف، والنوعان مستويان في سائر الأحكام إلا في حكم واحد وهو أنه لو أصابه الماء بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات، وبعد الحكمي فيه روايتان وسنتكلم على المختارة مع نظائرها إن شاء الله تعالى.
قوله: (إلا جلد الخنزير والآدمي) يعني كل إهاب دبغ جاز استعماله شرعا إلا جلد الخنزير لنجاسة عينه وجلد الآدمي لكرامته، وبهذا التقرير اندفع ما قيل إن الاستثناء من الطهارة وهذا في جلد الخنزير مسلم فإنه لا يطهر بالدباغ، وأما جلد الآدمي فقد ذكر في الغاية أنه إذا دبغ طهر ولكن لا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه فكيف يصح هذا الاستثناء؟
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست