المبسوط - السرخسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٦
وقد بينا انه كان يمسى خمرا لمعنى مخامرة العقل بطريق المجاز والمجاز لا يعارض الحقيقة وما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كل مسكر خمر لا يكاد يصح فقد قال يحيى بن معين رحمه الله ثلاث لا يصح فيهن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر في جملتها كل مسكر خمر ثم مراد النبي عليه الصلاة والسلام تشبيه المسكر بالخمر في حكم خاص وهو الحد فقد بعث مبينا للاحكام دون الأسامي ونحن نقول إن المسكر وهو القدح الأخير مشبه للخمر في أنه يجب الحد بشربه وعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم النحر عام حجة الوداع فاتى بنبيذ من السقاية فلما قربه إلى فيه قطب وجهه ورده قال العباس رضي الله عنه أحرام هذا يا رسول الله فاخذه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بماء وصب عليه ثم شرب وقال إنه إذا استلبث عليكم شئ من الأشربة فاكسروا متونها بالماء فقد كان مشتدا ولهذا قطب وجهه ورده ثم لما خاف أن يظن الناس انه حرام أخذه وشربه فدل أن المشتد من الثلث لا بأس بشربه ولا يقال إنما قطب وجهه لحموضته لان شرب السقاية إنما كان يتخذ لشرب الحاج ولا يسقى الخل العطشان فعرفنا انه قطب وجهه للشدة والمعنى فيه أن الخمر موعود للمؤمنين في الآخرة قال الله تعالى وأنهار من خمر لذة للشاربين فينبغي أن يكون من جنسه في الدنيا مباحا يعمل عمله ليعمل بالإصابة منه تلك اللذة فيتم الترغيب فيه وما هو مباح في الدنيا يصير كالا نموذج لما هو موعود في دار الآخرة (ألا ترى) انه لما وعد الله المؤمنين الشرب في الكأس في الذهب والفضة في الآخرة أحل من جنسه في الدنيا وهو الشرب من الكأس المتخذ من الزجاج والبلور وغير ذلك لهذا المعنى ولهذا الماء وعد المؤمنين الحلية في الآخرة أحل لهم ما هو من جنس ذلك في ذلك وتقرر هذا الحرف من وجه آخر فنقول إن الشرع حرم الخمر ولا شك ان هذه الحرمة لمعنى الابتلاء وإنما يتحقق معنى الابتلاء بعد العلم بتلك اللذة ليكون في الامتناع منه عملا بخلاف هوى النفس وتعاطيها للامر وحقيقة تلك اللذة لا تصير معلومة بالوصف بل بالذوق والإصابة فلا بد من أن يكون من جنس ذلك ما هو حلال لتصير تلك اللذة به معلومة بالتجربة فتحقق معنى الابتلاء في تحريم الخمر يعتبر هذا بسائر المحرمات كالزنا وغيره إلا أن في الخمر القليل والكثير منه حرام لان قليله يدعو إلى كثيره فأما هذه الأشربة ففيها من الغلظ والكثافة ما لا يدعو قليلها إلى كثيرها فكان القليل منها مباحا مع وصف الشدة والمسكر منها حرام وقد بينا أن
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 2
2 باب التعزير 35
3 باب من طبخ العصير 37
4 كتاب الاكراه 38
5 باب ما يكره عليه اللصوص غير المتأولين 47
6 باب الاكراه على العتق والطلاق والنكاح 62
7 باب ما يكره أن يفعله بنفسه أو ماله 66
8 باب تعدي العامل 72
9 باب الاكراه على دفع المال وآخذه 78
10 باب من الاكراه على الاقرار 83
11 باب من الاكراه على النكاح والخلع والعتق والصلح عن دم العمد 85
12 باب الاكراه على الزنا والقطع 88
13 باب الاكراه على البيع ثم يبيعه المشتري من آخر أو يعتقه 93
14 باب الاكراه على ما يجب به عتق أو طلاق 100
15 باب الإكراه على النذر و اليمين 105
16 باب اكراه الخوارج المتأولين 108
17 باب ما يخالف المكره فيه أمر به 109
18 باب الاكراه على أن يعتق عبده عن غيره 112
19 باب الاكراه على الوديعة وغيرها 119
20 باب التلجئة 122
21 باب العهدة في الاكراه 128
22 باب ما يخطر على بال المكره من غير ما أكره عليه 129
23 باب زيادة المكره على ما أمره به 132
24 باب الخيار في الاكراه 135
25 باب الاكراه فيما يوجب لله عليه أن يؤديه اليه 144
26 باب الاكراه في الوكالة 147
27 باب ما يسع الرجل في الاكراه وما لا يسعه 151
28 باب اللعان الذي يقضى به القاضي ثم يتبين أنه باطل 155
29 كتاب الحجر 156