مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠٥
قلنا بالمنع فهل يمتنع أن يقسم على الله ببعض مخلوقاته فإن القسم بها تعظيم لها نحو قولك:
بحق محمد اغفر لنا ونحوه، وقد حصل فيه توقف عند بعض العلماء ورجح عنده التسوية انتهى وفيه نظر، لأن المحذور إنما هو التعظيم بالحلف لورود النهي عن الحلف بذلك، وأما التعظيم بغير الحلف فليس بمحذور فإن الله لم يمنعنا أن نعظم بعض عباده بل أمرنا بذلك وأوجبه علينا في حق رسله وملائكته وأصحاب نبيه وأوليائه. وقد ورد في صحيح البخاري في فضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد (ص) فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون انتهى. وفعل سيدنا عمر لذلك إنما كان بمحضر الصحابة ولم ينكره أحد فدل على جوازه والله أعلم.
تنبيه: قال القرافي في الذخيرة إثر كلامه السابق: ولا يشكل على القول بالمنع قسمه تعالى ببعض مخلوقاته كقوله تعالى: * (والتين والزيتون) * * (والسماء) * * (والشمس) * وغير ذلك لأن من العلماء من قال تقديره أقسم برب الزيتون. وقيل أقسم بها لينبه عباده على عظمتها عنده فيعظمونها، ولا يلزم من الحجر علينا الحجر عليه بل هو الملك المالك على الاطلاق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد انتهى. وقال قبله: سؤال قال عليه السلام في حديث الأعرابي للسائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه السلام بمخلوق. جوابه أنه منع الصحة في هذه اللفظة فإنها ليست في الموطأ وأنه منسوخ بالحديث المتقدم ذكره صاحب الاستذكار، وأما بأن هذا خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله ما أكرمه، وقوله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: ترتبت يداك خرج عن الدعاء إلى توطئة الكلام انتهى. وقال البرزلي في مسائل الصلاة: وفي أسئلة عز الدين هل يقسم على الله في دعائه بمعظم من خلقه كالنبي والولي والملك أو يكره؟ فأجاب: جاء في بعض الأحاديث أنه عليه السلام علم الناس الدعاء فقال: اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة. فإن صح هذا فينبغي أن يكون مقصورا عليه (ص) لأنه سيد ولد آدم ولا يقسم على الله بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنهم ليسوا في درجته ويكون من خصائصه تنبيها على درجة وارتفاع رتبته.
قلت: وكان شيخنا الفقيه يختار الجواز يحتج بسؤال عمر بن الخطاب في خطبة الاستسقاء بقوله: اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس حين أخرجه للاستسقاء، وكان يتقدم لنا لعله من بركته عليه السلام لأنه من سببه وبإضافته إليه فلا يكون فيه دليل، واحتجوا أيضا بتضرع الشيخ الصالح المؤدب محرز بن خلف وسؤاله البرء ابنة الشيخ أبي محمد ورغبته إلى الله ببركة أبيها، وبقول العبد الذي استسقى بالبصرة بحبك لي إلا ما أسقيتنا الساعة إلى غير ذلك من الحكايات العديدة وهو الأظهر لأن مظنة إجابة الدعاء كما شرع الدعاء في بقاع الصالحين وعند قبورهم وغير ذلك من أماكنهم لأنه من عقد نيته في شئ انتفع به كما ورد وبالله التوفيق انتهى.
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»
الفهرست