مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٤ - الصفحة ١٠٢
قلت: وهذا هو الظاهر من قول مالك في المدونة ولا يعتد بما طاف داخل الحجر لأن ذلك شامل لستة أذرع ولما زاد عليها، وهو الذي يظهر من كلام أصحابنا كما تقدم. والذي قاله اللخمي رحمه الله إنما هو تفقه منه على عادته في اختياره لما يقتضيه الدليل والقياس وإن خالف المنصوص عن مالك. وقوله وليس بحسن أن يفعل ذلك يدل على ذلك والله أعلم. وبما قاله اللخمي قال جماعة من الشافعية منهم إمام الحرمين وأبوه والبغوي وصححه الرافعي، وبالقول الآخر قال جماهير الشافعية، قال النووي: وهو الصواب واحتج شيخ شيوخنا القاضي تقي الدين الفاسي المالكي في تاريخ مكة لما قاله اللخمي والرافعي بأن أفعاله (ص) في الحج منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، فطوافه خارج الحجر ما يكون واجبا إلا بدليل ولا دليل إلا ما وقع في بعض رواية عائشة أن الحجر من البيت وهي رواية مطلقة فتحمل على الروايات المقيدة، ويحمل طوافه (ص) خارج الحجر ليزيل عن غيره مشقة الاحتراز عن تحرير الستة أذرع ونحوها ومشقة تسور جدار الحجر خصوصا للنساء، ومثل ذلك يقال في طواف الخلفاء ومن بعدهم فيكون الطواف هكذا مطلوبا منه متأكدا لا وجوبا لعدم نهوض الدلالة على الوجوب من طوافه (ص). فإن خالف إنسان وتسور على جدار الحجر فطاف فيما ليس من الكعبة خصوصا على رواية سبعة أذرع، ففي الجزم بفساد طوافه نظر كبير مما لا ينهض عليه دليل. انتهى مختصرا وآخره باللفظ.
قلت: فيما قاله رحمه الله نظر، لأن أفعاله (ص) محمولة على الوجوب حتى يدل دليل على الندب لا سيما في باب الحج. قال النووي في شرح المهذب: لما تكلم على اشتراط الطهارة في الطواف ثبت في صحيح مسلم من رواية جابر أن النبي (ص) قال في آخر حجته:
لتأخذوا عني مناسككم. قال أصحابنا: في الحديث دليلان: أحدهما أن طوافه (ص) بيان للطواف المجمل في القرآن. الثاني قوله (ص) لتأخذوا عني يقتضي وجوب كل ما فعله إلا ما قام دليل على عدم وجوبه انتهى.
قلت: ولا سيما في الطواف الذي ثبتت فرضيته بالقرآن مجملا ولم يعلم بيانه إلا من فعل الرسول (ص) فتحمل أفعاله فيه على الوجوب إلا ما دل دليل على عدم وجوبه كاستلام الحجر والاضطباع، وقد استدل أئمة مذهبنا وغيرهم على وجوب كثير من أفعال الحج بفعله (ص) لذلك مع قوله خذوا عني مناسككم. إذا علم ذلك فالذي يظهر - والله أعلم - وجوب الطواف من وراء محوط الحجر وإن طاف داخله يعيد طوافه، ولو تسور الجدار وطاف من وراء الستة الأذرع أو السبعة وهذا ما دام بمكة، فإن عاد إلى بلاده وكان طوافه من وراء الستة الأذرع فينبغي أن لا يؤمر بالعود مراعاة لمن يقول بالاجزاء كما تقدم في مسألة الشاذروان. وقد تبع المصنف على التقييد بالستة الأذرع صاحب الشامل وغيره من المتأخرين، وقد تبعتهم في المناسك التي كنت جمعتها ثم ظهر لي الآن خلاف ذلك والله أعلم بالصواب.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست