مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٨٤
الثالث: علم من كلام المصنف أن المعتبر في سلب الطهورية إنما هو تغير أحد أوصاف الماء لا مجرد مخالطة الماء لغيره، فلو وقع في الماء جلد أو ثوب وأخرج ولم يتغير الماء لم يضره وقاله في المدونة. قال في الطراز: وكذلك لو غمس فيه خبز وأخرج في الحين أو بل فيه شئ من الحبوب ولم يغيره قال: والعلة تغير أحد أوصاف الماء انتهى مختصرا، وهذا هو المعروف في المذهب. وحكى في الطراز عن أصبغ أنه لا يتوضأ بماء بل فيه شئ من الطعام أو غسل به ثوب طاهر أو توضأ به، سواء تغير الماء أو لم يتغير. فإن توضأ به وصلى أعاد أبدا ذكره في باب أحكام المياه في موضعين.
الرابع: ما ذكره المصنف من اعتبار تغير الرائحة هو المشهور في المذهب كما صرح به ابن عرفة وغيره. وقال ابن الماجشون: إن تغير الريح غير معتبر. قال ابن ناجي في شرح المدونة.
وهو ظاهر المدونة يعني حيث لم يذكر فيها تغير الريح وهو ظاهر الرسالة أيضا، فإنه لم يذكر فيها تغير الريح. وذكر ابن عرفة عن ابن رشد قولا ثالثا يفرق فيه بين التغير الشديد والخفيف، وعزاه لسحنون أخذا من قوله: من توضأ بما تغير بما حل فيه تغيرا شديدا أعاد أبدا. قال ابن ناجي في شرح الرسالة: وهذا الكلام يتناول الطعم واللون إذ ليس في كلام سحنون ما يدل على خصوصية الريح انتهى. قال ابن عرفة: وقول ابن رشد أن ابن الماجشون ألغى تغير الريح مطلقا يناقض قوله في موضع آخر: إذا أنتن الماء واشتدت رائحته فنجس اتفاقا انتهى.
قلت: كلام ابن رشد الثاني في أواخر سماع أشهب من كتاب الوضوء. قال ابن عرفة:
وقول عياض: أجمعوا على نجاسة ما غير ريحه نجاسة بعيد انتهى.
قلت: هذا نحو كلام النووي المتقدم، واستشكل بعض أشياخ ابن بشير قول ابن الماجشون حتى حمل قوله على التغير بالمجاورة، وتبعه على ذلك خلق كثير منهم ابن الحاجب فقال: ولعله قصد التغير بالمجاورة. قال ابن الإمام: وهذه غلطة عظيمة فقد حكى عنه أبو زيد في الثمانية أن وقوع الميتة في البئر لا يضر وإن تغيرت رائحته حتى يتغير لونه أو طعمه. وصرح اللخمي والمازري بأن خلافه مع تغير الرائحة بما حل في الماء وخالطه انتهى. وذكر المنصف نحو هذا في التوضيح والله أعلم.
الخامس: إذا وقع في الماء نجاسة ولم تغيره ثم حل فيه ما هو طاهر كاللبن ونحوه فغيره فهو طاهر على المستحسن من المذهب، وإن تقدمت الإضافة ثم حلت فيه نجاسة كان نجسا لأن الماء المضاف والمائعات لا تدفع عن نفسها. قاله اللخمي ونقله البساطي في المغني والشبيبي في شرح الرسالة، ولم يذكروا فيه خلافا وكأنه أراد بأول كلامه الماء اليسير إذا حلته نجاسة ولم تغيره فلذلك قال على المستحسن من المذهب، وأما لو كان الماء كثيرا فإنه طاهر بلا خلاف والله أعلم.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست