مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٨٣
المصنف على أنه إنما يضر فيه التغير البين كما سيأتي، وذلك مما يبين أن أراد الاطلاق في كلامه هنا. وحكى ابن فرحون وصاحب الجمع قولا باغتفار التغير اليسير. وقال ابن هارون: إنه غير معروف في المذهب. وقال ابن فرحون: ذكر الأبياني في سفينته أن خفي التغير معفو عنه من جهة الشارع وذلك أن أواني العرب لا تنفك من طعم يسير أو رائحة يسيرة، وكانوا لا يتحرجون عن استعمالها انتهى. وحكى صاحب الجمع عن ابن هارون أن بعضهم عزى القول بالتفصيل بين التغير اليسير والكثير للمذهب. قال ابن هارون: هذ يحمل عندي على ما تغير بما لا ينفك عنه غالبا لا على أن التغير اليسير مغتفر لان ذلك غير معروف في المذهب.
قلت: وما قاله ابن هارون هو الذي يقتضيه كلام أهل المذهب، ولم ينقل صاحب الطراز التفريق بين التغير اليسير والكثير إلا عن الشافعية. وأما ما استدل به الأبياني من مسألة أواني العرب فلا دليل فيه لان ذلك بمنزلة ما لا ينفك عنه الماء غالبا كما تقدم عن ابن راشد، وفي كلام ابن هارون المتقدم هنا إشارة إلى ذلك وذكر الوانوغي في حاشيته على تعليقة أبي عمران في الاناء يصب منه الودك أو الزيت ثم يصب فيه الماء فتعلوه شيابة هل يتوضأ به فقال: أما اليسير فلا يضر انتهى.
قلت: وهذا كله فيما تغير بطاهر، وأما ما تغير بنجس فلا فرق فيه بين التغير اليسير والفاحش قليلا كان الماء أو كثيرا، جاريا أو راكدا. وحكى النووي في شرح المهذب الاجماع على ذلك قال: وسواء تغير لونه أو طعمه أو ريحه.
قلت: في حكاية الاجماع على ما تغير ريحه فقط نظر لما سيأتي عن ابن الماجشون.
الثاني: ظاهر كلام المصنف أيضا أنه لا فرق بين كون أجزاء الماء أكثر من أجزاء المخالط أو عكس ذلك وهذا هو المعروف في المذهب. وحكى اللخمي فيما إذا كانت أجزاء المخالط الطاهر المغير للماء أقل من أجزاء الماء قولين. قال: والمعروف من المذهب أنه غير طهور. وروي عن مالك أنه مطهر وأن تركه مع وجود غيره استحسان، وأخذ ذلك من الرواية التي في مسألة الغدير يتغير بروث الماشية، ومثله البئر إذا تغير بورق الشجر كما سيأتي بيانه. ورد عليه صاحب الطراز وقال: إن ذلك فاسد. وإنما تردد فيه مالك لاشتباه الامر فيه هل يمكن الاحتراز منه أم لا، ونحوه للباجي كما سيأتي. وتبع ابن رشد في نوازله اللخمي فيما ذكره فقال: وإن كان ما انضاف إلى الماء من الأشياء الطاهرة ليس هو الغالب إلا أنه غير أوصاف الماء أو بعضها فالمشهور في المذهب المعلوم من قول مالك وأصحابه أنه غير مطهر ولا يجوز الغسل ولا الوضوء به ولا يرفع حكم النجاسة من ثوب ولا بدن، وقد روي عن مالك أنه قال: ما يعجبني أن يتوضأ به من غير أن أحرمه فاتقاه من غير تحريم انتهى فتأمله. ونقل ابن عرفة كلام اللخمي وابن رشد بعبارة توهم التسوية بين القولين وسيأتي لفظه في الكلام على مسألة الغدير والله أعلم.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست