مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ١٥٧
تماع في جملة العجين فتنجسه وإنما تختص بموضعها منه فإنما تحرم القملة اللقمة التي هي فيها، فلما لم تعرف بعينها لم يجب أن يحرم اليسير منه إذا كثر كما لو أن رجلا يعلم أن له أختا ببلدة من البلاد لا يعرف عينها لا يحرم عليه أن يتزوج من نساء تلك البلدة بخلاف اختلاطها بالعدد اليسير، فإذا خففنا تناول شئ منه لاحتمال أن تكون القملة فيما بقي خففنا تناول البقية أيضا لاحتمال كون القملة فيما تناوله أولا والله أعلم انتهى. وقال في التوضيح قال شيخنا: ولو فرق بين ما يعسر الاحتراز منه كروث الفأر فيعفى عنه، وما لا يعسر كبول ابن آدم فينجس لما بعد انتهى. وذكر البرزلي عن شيخه ابن عرفة أنه أفتى بأكل طعام طبخ فيه روث الفأرة، وفي السؤال أنها كثيرة وروثها غالب. قال البرزلي: ففتواه إما للضرورة كمسألة سحنون في الزرع أو للخلاف، وقد تقدم الخلاف في بولها وفي الطعام الذي وقع فيه.
فرع: إذا كانت النجاسة القليلة الواقعة في الطعام فيما يعفى عنه كالدم القليل والقيح والصديد هل يعفى عنها في الطعام أم لا؟ لم أر فيه نصا صريحا، والظاهر عدم العفو كما سيأتي. وظاهر كلام ابن عبد السلام الآتي عند قول المصنف: ودون درهم أنه معفو عنه فإنه قال: اختلف في الدم اليسير هل يغتفر مطلقا على جميع الوجوه حتى يصير كالمائع الطاهر ، واغتفاره مقصور على الصلاة فلا يقطع لأجله إذا ذكره ولا يعيد، وأما قبل فيؤخر بغسله على جهة الندب. قال: والأول أظهر وهو مذهب العراقيين كغيره من النجاسات المعفو عنها، والثاني مذهب المدونة انتهى. وعزاه صاحب الطراز وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم لابن حبيب. قال صاحب الطراز: وهو ظاهر خلاف المذهب. وقد يقال: إن هذا كله إنما هو بالنظر إلى الصلاة به وهذا هو الظاهر والله أعلم. تنبيه: علم من كلام ابن رشد المتقدم أنه لا فرق بين أن تلاقي النجاسة مائعا كاللبن أو جامدا ثم يصير مائعا كالدقيق يعجن، وعلم منه أيضا أنه إذا اختلط نجس بأشياء طاهرة كثيرة غير مائعة ولم يعلم النجس أنه لا يطرح الجميع لأجل الشك، كما لو اختلطت تفاحة نجسة أو رطبة أو نحوها بكوم تفاح أو رطب. وقال ابن ناجي في شرح قول المدونة: ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها قالوا: يقوم منها إذا وقعت قطعة من لحم خنزير في كدس لحم أنه إن علم تلك الناحية تركها وأكل ما بقي وإلا طرح كله انتهى. ويمكن الجمع بينه وبين كلام ابن رشد بأن كلام ابن رشد فيما كان كثيرا جدا كما يظهر من كلامه فتأمله، وعلم منه أيضا أن ما لاقاه نجس لا يتحلل فإنه لا ينجسه وقد تقدم شئ من ذلك.
تنبيه: لا خصوصية للطعام بما ذكر كما قد يتبادر من ظاهر لفظه بل هو حكم سائر المائعات حتى الماء المضاف كما تقدم ذلك في كلام اللخمي، فقول المصنف: كثير طعام إنما خرج مخرج الغالب والله أعلم.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست