المنحة الوهبية في رد الوهابية - الطحطاوي - الصفحة ٣٢
إنا نسألك بحق هذا النبي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا اليهود بهذا الدعاء فتهزم اليهود غطفان فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله قوله وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي يدعون بك يا محمد إلى قوله فلعنة الله على الكافرين فانظر أرشدك الله تعالى إلى هذا الشرف والمكانة له عند ربه كيف كان يستجيب لمن هو كافر به ويعلم تعالى أنه يكون من أشد الناس عداوة له وإيذاء وكان ذلك قبل بروزه إلى الوجود فكيف وقد بعث رحمة للعالمين فمن منع التوسل به فقد أعلم الناس أنه أسوأ حالا من اليهود ونادى على نفسه بذلك ثم ذكر توسل آدم به وما ذكره المفسرون في ذلك وأهل الحديث فتأمل في حسن هذا الكلام وموقعه لتعلم حال من منع التوسل به وشقاءه حيث إن الله جعله دليلا على نبوته وملزما لا عدائه بالحجة البالغة فيه وقد بقي من آيات القرآن ما فيه دلالة على التوسل والتشفع مما ذكرناه في غير هذا الكتاب (فصل) ولما كان ما يحصل من التوسل والتشفع بالأنبياء والأولياء إنما هو من طريق الكرامة مع كونهم متسببين في دار برازخهم والكرامة لما أجمع عليها المسلمون من أهل السنة والجماعة وهي من واجب الاعتقاد على العباد وأصلها في كتاب الله تعالى باتفاق أهل السنة وذلك طلب سليمان عليه السلام إحضار عرش بلقيس من سباء إلى الشام في طرفة عين ولم يتخلخل منه شئ وهو من الجواهر والذهب وكان من أتى به آصف بن برخيا وهو ولي بلا شك وكذلك رزق مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا وغير ذلك مما ذكره أهل عقايد كل مذهب من مذاهب أهل السنة وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن كرامات الأولياء من معجزات الأنبياء عليهم السلام لأن المعجزة لما كانت في الأنبياء المتبوعين بقيت آثارها في التابعين الأحياء والميتين بل هي في الأنبياء والأولياء بعد الانتقال إلى دار البقاء أدل وأقوى على صدقهم وحقيقة دينهم وذلك أن النبي الحي والولي الحي قد يظن العدو الكافر والمنافق أن المعجزة والكرامة من تعملهم وتحيلهم وأما بعد الانتقال فلم تبق هذه الشبهة بوجه لعلم ذوي العقول أن هذا من محض خلق الله وقدرته
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 » »»