المنحة الوهبية في رد الوهابية - الطحطاوي - الصفحة ٩
الهدى والإيمان وذلك أن الميت من حين تصل روحه للغر غرة ويشاهد منزلته بشخوص بصره لمنزلته إلى الآخرة لا ينفعه الإيمان لو آمن فيقول الله تعالى إن الناس الذين كتب الله عليهم الشقاوة الأزلية لا ينفعهم دعاك لهم إلى الإيمان كما لا ينفع أهل القبور الإيمان لأن أهل القبور قد رأوا عيانا ما هو مطلوب منهم أن يؤمنوا بالغيب فإذا وصلوا إلى الموت لا يقبل منهم الإيمان فالسماع هنا هو القبول تقول فلان أمرته بكذا فما سمع أي ما قبل وإن كان سامعا بحاسة إذنه فكذلك الكفار نزلت الآيتان فيهم وهم أحياء لهم أبصار وأسماع لكن لكونه تعالى ختم على قلوبهم بالشقاء أخبر تعالى أنك يا محمد لا تسمعهم أي لا يقبلون منك الإيمان كما أن أهل القبور لا يقبل منهم الإيمان فالسماع الثابت في الأحاديث الصحيحة سماع الحاسة والسماع المنفي في الآيتين سماع القبول وهذا ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد والدليل على هذا أن الله تعالى بعد قوله إنك لا تسمع الموتى قال إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فأثبت للمؤمنين السماع الذي هو بمعنى القبول فمن جعل السماع المنفي في الآية بمعنى سماع الحاسة قلنا له فقد أثبت الله على قولك للمؤمنين وهو مطلوبنا فيكون ثبوت السماع بنص القرآن فكيف تجحد نص القرآن كما جحدت نص الحديث الذي ما بعد كتاب الله أصح منه والدليل على أن عايشة إنما أنكرت سماع الكفار فقط ما ثبت عنها في الحديث المتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد السلام عليه حتى يقوم فهذا أثبت له الرؤية المستلزمة للاستيناس ورد السلام عليه المستلزم لسماع السلام وقوله حتى يقوم متعلق باستأنس على أن عايشة رضي الله عنها نفت السماع عن الكفار وأثبتت لهم العلم فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنهم الآن ليعلمون أن ما قلت حق وقال علماء الأمة إن العلم يستلزم السماع ولا ينافيه كما حققه ابن تيمية وابن القيم وابن رجب والسيوطي وغيرهم لأن الموت لو كان عدما محضا كما يزعم الجهلة لانتفى عن الميت جميع الادراكات فإذا أثبتت عايشة العلم بالنص المروي عنها كما في البخاري تحقق أنها تثبت الادراكات لكن ظنت أن السماع الذي أثبته الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم سماع القبول والهدى وهو لا ينفع اتفاقا بل هو الحق الجامع
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»